دفعت قوى 8 آذار ومؤيدو وصول العماد ميشال عون الى الرئاسة الاولى في الايام الأخيرة بقوة لتعميم الانطباع عن ان موقع الرئاسة بات محسوماً لصالحه على أساس ان الحوار القائم بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية انما يستند الى “استلحاق” رئيس حزب القوات الدكتور سمير جعجع نفسه ليكون من ضمن المشاركين في وصول عون وتاليا قطف بعض الثمار المعنوية والسلطوية تجنبا لان يضطر لاحقاً بحكم التطورات الاقليمية التي يقول هذا الفريق انها تصب في مصلحته الى تقبل وصول عون قسراً من دون اي ثمن في المقابل. وواقع الامور ان هذه المسألة تتراوح بين مد وجزر استناداً الى اعتبارات من بينها الرهان على تعب الدول الخارجية المهتمة على الأقل بشغل موقع الرئاسة الاولى والانتهاء من الازمة ما يضغط في اتجاه ان يحسم الافرقاء السياسيون خلافاتهم وينتخبوا عون لئلا يبقى معرقلاً. فضلاً عن الرهان على ضغوط من بعض الافرقاء السياسيين وسواهم كبكركي مثلاً من اجل انتخاب رئيس. ويقول البعض ان هناك رؤساء بعثات ديبلوماسية اجنبية يتأثرون أيضاً بالمنطق الذي يسوقه عون عن تاريخه في مواجهة السوريين حين كان في قصر بعبدا وايضاً تجربته مع قوى 14 آذار التي دفعته الى التحالف مع “حزب الله”، فيغلب انطباع لدى هؤلاء انه يمكن الرهان تاليا على ان يبتعد عون عن الحزب في حال انتخب رئيساً ويكون اقرب الى ما يمكن قبوله من الخارج والداخل على حد سواء اي رئيساً معتدلاً ووفاقياً تحت وطأة الاضطرار الى التعامل مع معطيات موضوعية تفترض عليه ان يزين الامور بما لا يجنح بالبلد الى محور معين. كما يبدو رؤساء البعثات اولئك متأثرين بمنطق يدفع به حتى خصوم عون المسيحيين ايضا عن وجوب انتخاب رئيس قوي له حيثية تمثيلية، وهو أمر لا يمكن انكاره على عون.
في المقابل، فإن ما يعيد هذا الموضوع الى الوراء بعد مد جزئي هو عدم امكان فصل العوامل الداخلية عن العوامل الخارجية واختلاطهما او تأثير احداها على الاخرى. فالمنطق الذي يتحصن به بعض السياسيين او الديبلوماسيين تبريراً للانتهاء من موضوع الرئاسة الأولى عبر ايصال عون يواجهه منطق عدم اتعاظ بعض العواصم من تجارب لحكوماتها في السابق عبر الرهان على فك تحالف ما كأن يعتمد على ابعاد عون عن “حزب الله”. ذلك ان محاولات كثيرة قامت بها دول غربية مقدمة اغراءات للنظام السوري قبل ان تنفجر الثورة السورية في وجهه في آذار 2011 من أجل ابعاده عن ايران من دون جدوى. وكذلك فعلت دول عربية لم تساير بشار الأسد الا على هذا الأساس. كما جرت محاولات عدة لاستيعاب “حزب الله” في الداخل اللبناني والسعي الى فك ارتباطه بالنظام السوري من دون جدوى ايضاً ما يجعل من اي رهان غربي تحت ذريعة الاقتناع بان هذا الامر ممكن ليس صحيحا ولا مضموناً. وفي السياق الاقليمي للتطورات وامتدادها الى لبنان ، فإن انتخاب عون سيمثل بغض النظر عن حيثيته السياسية الداخلية او حيثيته من ضمن الطائفة المسيحية انتصاراً لفريق اقليمي في ظل دعم واضح من الرئيس السوري بشار الاسد وكذلك الدعم الواضح من “حزب الله” لعون على انه مرشح الطرفين معاً، ما لا يمكن تبليعه بسهولة الى الافرقاء السياسيين الآخرين الذين تتنازعهم اعتبارات الداخل واعتبارات الخارج في حال التسليم جدلا بوجود اقتناع لديهم بأن عون يمكن ان يكون رئيسا وفاقياً. وهو ما يتم إعادة التذكير به امام رؤساء البعثات الديبلوماسية الملحة على الانتهاء من موضوع الرئاسة اللبنانية. كما سيعكس احتمال انتخاب عون ايضاً انتصاراً لفريق داخلي على فريق اخر في رأي المصادر المطلعة على طبيعة المد والجزر المرافق للاتصالات التي لا تزال تجرى وراء الكواليس حتى لو عاد الرئيس سعد الحريري ليشغل منصب رئاسة الحكومة مجدداً، وفق ما يتم التلويح مجدداً على سبيل الترضية المعنوية او المشاركة في صفقة داخلية وصلت امتداداتها الى جعجع الذي يتردد انه سمع من عون ضمانات باحترام موقع القوات وحقها في ان تتمثل بحجمها في الحكومة ومجلس النواب المقبل وكل ادارات الدولة. وعلى رغم ان النظام السوري ضعف ولن يعود الى ما كان عليه، فانه يخشى بناء على هذه الاعتبارات ان يشكل وصول عون تعويما ضمنيا لهذا النظام في جانب من جوانب استمرار امتلاكه اوراقا لبنانية وتأثيره في الوضع الداخلي اللبناني وتاليا امكان مساومته انطلاقا منه. وهو سيعمد الى توظيف ذلك كما سيعمد “حزب الله” الى الموقف نفسه على اساس انه انتصار للمحور الاقليمي الذي يمثله بغض النظر عن المساومات التي ادت الى وصول عون في حال حصول ذلك. وتجربة زيارة اربعة نواب فرنسيين الى النظام السوري ابرز دليل على ذلك ما لا يجعل سهلاً التسليم بالمنطق الذي يتم تسويقه من اجل الانتهاء من موضوع الانتخابات الرئاسية.
وتالياً فإن المد الذي دفع به مناصرو عون وقوى 8 آذار في الايام الاخيرة عاد فشهد تراجعات بدليل الفرملة التي شهدها الحوار العوني- القواتي. ووفق مصادر سياسية ثمة صعوبة في تكييف منطق مكافأة المعرقلين للانتخابات الرئاسية عبر ايصال مرشحهم ما سيوجه رسالة في غاية السلبية لجهة امكان لجوء اي طرف الى عرقلة البلد وشل استحقاقاته حتى تحقيق مطالبه وتردد انعكاس ذلك على لبنان.