Site icon IMLebanon

هل يُقايض المستقبل والاشتراكي بعض المقاعد بـ «الستين»؟

من المُتوقّع أن تشهد الأيّام والأسابيع القليلة المُقبلة كباشاً شديداً على مُستوى قانون الإنتخابات النيابيّة، في ظلّ قرب إنتهاء المهل القانونيّة والدستوريّة لإجراء الإنتخابات في أيّار المقبل. وكان لافتًا في الأيّام القليلة الماضية إرتفاع سقف المواقف والمواقف المُضادة، في ظلّ تهجّم إعلامي مُتزايد على «قانون السِتّين» الذي جرى تعديله في العام 2008 خلال «تسوية الدوحة» المشهورة. فهل جرى فعلاً طيّ مسألة إجراء الإنتخابات وفق «قانون الستّين» النافذ حالياً، أمّ أنّ الإعتراضات العالية النبرة في هذا الصدد، تدخل في إطار مبدأ «رفع شروط التفاوض تمهيدًا لتنازلات التسوية المُنتظرة»؟

إشارة إلى أنّه على الرغم من كثرة إقتراحات القوانين المعروضة في الإعلام، فإنّ المحادثات الرامية إلى إيجاد قانون جديد تدور في حلقة مُفرغة، في ظلّ تضارب كبير في الإقتراحات، وخلافات على تفاصيل القوانين. وقد عزت أوساط سياسيّة مُستقلّة الفشل المُستمرّ منذ سنوات في هذا الملفّ إلى سببين أساسيّين، حيث تسعى جهات سياسيّة وشخصيّات نيابيّة عدّة، للإبقاء على القانون النافذ في محاولة للإحتفاظ بمناصبها وبحجمها السياسي. وهي تسعى أيضًا لإسقاط أكثر من إقتراح قانون في مهده – إذا جاز التعبير، بمجرّد إكتشاف أنّ نتيجة الإنتخابات العامة هي في غير صالحها، مع العلم أنّ أغلبيّة المَاكينات الإنتخابيّة الحزبيّة باتت قادرة على تحديد جزء كبير من نتائج الإنتخابات سلفاً، من خلال احتساب دقيق لكل من التوزيع الجغرافي للدوائر المُقترحة في كل قانون، والتوزيع الطائفي والمذهبي في كل دائرة من الدوائر المُقترحة، وعدد الناخبين أو الذين بلغوا الواحد والعشرين من عمرهم.

ولفتت هذه الأوساط السياسيّة إلى أنّ المأزق الحالي يتمثّل في عدم القُدرة على تأجيل تاريخ إجراء الإنتخابات، إلا في حال التوافق على قانون إنتخابي جديد، قد يكون مبنياً على تقسيمات ومبادئ شبيهة بتلك التي جرى تسويقها في القانون المُعدّ من قبل وزير الداخليّة السابق مروان شربل والذي كانت حكومة رئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي قد أقرّته. أمّا في حال الفشل في التوصّل إلى قانون جديد، فإنّ إمكانيّة التأجيل تسقط تلقائيًا، ما سيضع «التيار الوطني الحُرّ» ومن خلفه العهد الرئاسي الجديد في موقف حرج، بعد رفع مُعارضته للقانون النافذ إلى أقصى الدرجات، وبعد تأكيده رفض إستمرار الغُبن اللاحق بالناخب المسيحي. وأضافت الأوساط السياسيّة نفسها أنّ مُطالبة «التيار الوطني الحُر»، باعتماد النسبيّة على نطاق واسع بحجّة التمثيل الصحيح لمختلف الفئات، تنطلق من إنتشار مُحازبي «التيّار» على مساحات جغرافية واسعة، ما يجعله الأكثر إستفادة من القانون النسبي، بحيث أنّ خسارة بعض النوّاب في بعض الدوائر سيُعوّض عبر كسب العديد من النوّاب الجُدد في الكثير من الدوائر الأخرى. في المُقابل، تابعت هذه الأوساط، إنّ رفض كل من «تيّار المُستقبل» و«الحزب التقدّمي الإشتراكي» للقانون النسبي، بحجّة تمسّك «حزب الله» بسلاحه ما يحول دون التجرّؤ على مواجهة لوائحه من قبل معارضيه، بحسب «المُستقبل»، وبحجّة الغُبن اللاحق في التصويت الشعبي الدرزي في أكثر من دائرة، بحسب «الإشتراكي»، يعود في الأساس إلى أنّ أكثر من ثلث الأصوات في بيئة كلّ منهما هي أكثر من كافية لوصول نوّاب مُعارضين لنهجهما، على حساب خسارة جزء من نوّاب كتلهما. كما أنّ قُدرة الصوت السنّي المُوالي للمستقبل، والصوت الدرزي المُوالي للإشتراكي، على التأثير على النتائج في دوائر مُختلطة مع المسيحيّين تتراجع إلى الحد الأدنى، مع ما يعنيه هذا الأمر من خسائر نيابيّة إضافيّة، بدلاً من أن تكون سيطرتهما كبيرة على النتائج على بعض الدوائر المُختلطة بالقانون الأكثري.

وتابعت هذه الأوساط السياسيّة أنّ «القوّات» التي يتوزّع مُناصروها ومؤيّدوها على مساحة جغرافيّة واسعة من المناطق ذات الكثافة السُكّانية المسيحيّة، تسعى بدورها إلى إيجاد المخرج المطلوب للمأزق الحالي القائم، لأنّها ترغب برفع حجم تمثيلها النيابي وحُضورها السياسي، ولكنّها تحرص في الوقت عينه على عدم خسارة قوى «14 آذار السابقة» ثقلها النيابي الإجمالي، وعلى عدم الإصطدام سياسيًا بكل من «المُستقبل» و«الإشتراكي». وتعتبر «القوات» أنّها راعت مطالب «الحُلفاء» عندما جارتهم في رفض قانون «اللقاء الأرثوذكسي» علمًا أنّه يُناسبها إنتخابيًا، وعلى هؤلاء «الحُلفاء» المُفترضين مراعاة مطالبها الحالية، لجهة إستعادة صوت الناخب المسيحي لأهمّيته ولقيمته.

وبالنسبة إلى «حزب الله» وحركة «أمل» فإنّ مقاعدهما النيابية مضمونة – بحسب الأوساط السياسيّة نفسها، بغضّ النظر عن القانون المُعتمد، خاصة أنّ البيئة الحاضنة لهما تتمركز بأغلبيّتها في مناطق غير مُختلطة، مع إستثناءات محدودة. لكنّ «الحزب» يرغب بقوّة باعتماد القانون النسبي، بهدف ضمان حُصول مجموعة من الشخصيّات الحليفة له لقب «سعادة النائب». وأوضحت الأوساط أنّ هذه المسألة تشمل شخصيّات درزيّة مثل الوزير السابق وئام وهاب والنائب السابق فيصل الداوود، وشخصيّات سنّية مثل الوزيرين السابقين عبد الرحيم مراد وفيصل كرامي والنائب السابق أسامة سعد، وكذلك العديد من الشخصيات الأخرى من مختلف المذاهب والمحسوبة على قوى «8 آذار»، الأمر الذي من شأنه أن يرفع عدد النوّاب والكتل المؤيّدة لما يُعرف بإسم «محور المقاومة».

وبحسب مصدر نيابيّ مُطلع، فإنّ الشروط العالية المُتقابلة حالياً ستنتهي بتسوية وسطيّة، تتراوح بين أنّ يتم تعديل قانون «حكومة ميقاتي» ليُلبّي بعض شروط «المُستقبل» و«الإشتراكي»، أو أن يُقدم كل من «المُستقبل» و«الإشتراكي» على التعهّد خلف الكواليس بتقديم تنازلات عن مجموعة من المقاعد المسيحيّة في دوائر عدّة، في حال المُوافقة على الإبقاء على «قانون الستّين»، ولو بحجّة الأمر الواقع وعدم توفّر الوقت لإيجاد قانون جديد، إلى غيرها من التبريرات. وهذا المخرج سيشمل بحسب معلومات المصدر النيابيّ التنازل عن بعض المقاعد في كل من الشوف وعكّار وبيروت الأولى وغيرها من المناطق، لصالح تحالف «التيار الوطني الحُرّ « القوات اللبنانيّة». والهدف من هذا المخرج الذي يسعى كل من «المُستقبل» و«الإشتراكي» إلى تسويقه بعيداً عن الإعلام، يتمثّل في إرضاء الجانب المسيحي الذي يرفع شعار «الغُبن» من القانون الحالي، مع الإستمرار في إقفال الطريق على أي مُعارضة داخليّة فعليّة بوجه كل من «تيّار المُستقبل» و«الحزب الإشتراكي» اللذين سيحتفظان أيضاً بعدد من المقاعد الخاصة بالمسيحيّين ضُمن التسوية المُقترحة.

وفي الخلاصة، يُمكن القول إنّ الأسابيع الثلاثة المُقبلة دقيقة وحسّاسة على مُستوى المُفاوضات والإتصالات المفتوحة بين مختلف القوى، والتي يتوقّف على نتائجها مصير قانون الإنتخابات النيابيّة المُقبلة، وكذلك مصير الخريطة السياسيّة الداخليّة وذلك لسنوات عدّة.