Site icon IMLebanon

هل بين أهداف «انتفاضة عون» رسالة إلى المسعى الفاتيكاني – الروسي؟!

ما الّذي يَقف وراءَ توقيت ثورة غضب الجنرال ميشال عون؟ وهل قراره برفع عقيرته في وجه الحكومة السلامية التي ساعد في إنتاجها، يعود فقط لاكتشافه أنّ شركاءه في الحوارات الخاصة حنفوا بوعدهم له بالسير بالعميد شامل روكز لنيل قيادة الجيش؟ أم أنّ توقيته يتّصل بأسباب أعمق على صلة بما تواتر إلى بيروت بدايات هذا الشهر من معلومات عن متغيّرات دولية حصلت أخيراً، وتؤشّر الى بدء مناخ دوليّ وإقليميّ جديد سيُعبّر عن نفسه قريباً من خلال البدء بمبادرات لحلحلة أزمات ساخنة في المنطقة وإنشاء تحالف إقليمي لتغطيتها ولمقاتلة «داعش»، ويُقال إنّ ملف إنهاء الشغور الرئاسي في لبنان، قد يكون أحد تعبيرات بداية هذا المناخ. ماذا في تفاصيل هذه المعلومات؟

وردت إلى بيروت أخيراً، وتحديداً إلى أكثر من طرف سياسي وازن في لبنان، معلومات عن بدء ولادة إرهاصات دولية لنقل الوضع الإقليمي في المنطقة من حال الصدام والفشل الى مرحلة «تحريكه» في اتجاه تفاهمات متتالية ومتدحرجة تخدم انشاء جهد إقليمي فعال لمحاربة «داعش» وتغطية مسار مبادرات يقود إلى إنتاج تسويات لأزمات المنطقة وضمنها الازمة السورية.

وموسكو موجودة وفق هذه المعلومات في قلب هذا الحراك، وذلك بعدما حظيت بما يشبه «التفويض الغربي» للانطلاق في عمليّة سياسية لإقناع الحكومة السورية والمعارضة المعتدلة بالمجيء الى «جنيف 3» نهاية هذا العام من اجل التفاهم على عملية انتقالية في سوريا.

وتقول المعلومات نفسها إنّه خلال زيارة وزير الخارجية السورية وليد المعلم إلى موسكو قبل أسابيع، حمّلته القيادة الروسية رسالة إلى الرئيس بشار الاسد تضمنت رؤية الكرملين لأثمان التسوية السورية، وهي تنتظر إجابة عليها.

وما يمكن إضافته أيضاً إشارة هذه المعلومات الى أنّ الإتفاق المرتقب لأزمة الملف النووي الايراني، سيشكل دفعاً مهماً لجملة تفاهمات روسية – اميركية وروسية – سعودية حصلت في الاسابيع الاخيرة لتغيير سلوك السياسات الاقليمية والدولية في المنطقة في اتجاه «تحريكها» نحو الحلول وترك مربع الفشل والصدام الموجود فيه منذ سنوات عدة.

وفيما يتصل بعلاقة إرهاصات هذا الحراك الدولي الانفراجي المستجدّ بالوضع اللبناني يقول سياق المعلومات عينها، إنّ الفاتيكان تواصل أخيراً مع موسكو طالباً منها الإفادة من دورها الجديد المغطّى من الغرب من اجل المساعدة على إنهاء الشغور الرئاسي في لبنان، وانتاج تفاهم اقليمي يؤدي الى انتخاب الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق الاوسط.

وتضيف المعلومات عينها أنّ موسكو تواصلت مع إيران في هذا الخصوص، وأنّ هذا الامر سيكون محلّ محادثات بين الرئيسين فلاديمير بوتين وحسن روحاني في لقائهما على هامش اعمال قمة شنغهاي، وأنّ الروس يتوقعون أن تصبح إيران جاهزة لتسهيل هذا الملف بعد توقيع اتفاقها النووي مع المجموعة الدولية والتي تظهر المعلومات الروسية ثقة بأنّه حاصل.

موسكو وأزمة الشغور الرئاسي

تُسلّط هذه المعلومات الضوء على أنّ موسكو معنية ومهتمة بأن يكون لها دور في إنهاء أزمة الشغور الرئاسي في لبنان، وذلك انطلاقاً من أنّ نجاحها في هذه المهمة سيعود عليها بفوائد مهمة من وجهة نظرها؛ تصبّ في خدمة أهداف استراتيجيّتها الراهنة:

– تتمثل أولى هذه الفوائد بأنّ تكليف روسيا بمهمة المساعدة في انتخاب الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق، من الفاتيكان وبرضى غربي، يسهم في خدمة استراتيجيّتها المتطلعة لأخذ اعتراف دولي ومسيحي عالي المستوى، بأنها دولة مقبولة للعب دور حماية الاقليات في الشرق الاوسط.

وليس خافياً أنّ هذا الدور تريده موسكو لأكثر من سبب جوهري، أبرزها إيجاد موطئ قدم لها في هذه المنطقة المتصلة بمصالح الامن القومي والسياسي والاقتصادي الروسي من اكثر من زاوية.

منها صلتها بمحاربة الارهاب الاسلامي المنتشر في جمهوريات الاتحاد السوفياتي القديمة، إضافة إلى عوامل أمن المياه الدافئة والنفط والغاز حيث تؤشر المصادر الروسية الى اهمية اللقاء بينها كأكبر دولة منتجة للطاقة وبين نظيرتها السعودية التي تشاركها في الموقع الانتاجي الضخم، ما يجعلهما قوة قادرة على ضبط أسعار سوقه العالمية.

– تحتاج موسكو – ثانياً – لتنصيب نفسها حامية للأقليات لأنّ ذلك يساعد مناخ الانفتاح بينها وبين الغرب. ومن منظور موسكو فإنّ الدول الغربية لا تستطيع ثقافياً ولا على مستوى موقف مجتمعاتها، تحمّل حصول عمليات اضطهاد واسعة النطاق لمسيحيّي المنطقة، وبالتالي فإنّ تبرّع روسيا حمايتهم عبر مبادرات سياسية ناجحة سوف يعود عليها بنتائج لصالح تصحيح مزاج مقبوليتها في المجتمع الغربي ودوله، وهو امر تحتاجه موسكو ضمن أزمتها في أوكرانيا وتشظياتها السلبية على علاقاتها الغربية.

– أما الامر الثالث الذي يعكس التطور المستجد الاهم، فمفاده أنّ العلاقات الروسية – الاميركية تمرّ في هذه اللحظة بمرحلة تُعتبر افضل كثيراً مما كانت عليه قبل ستة اشهر. وأنّ موسكو حصلت من الغرب وفي مقدمه واشنطن على ما يشبه «التفويض» للمضي في إرساء مسار حلّ سلمي للازمة السورية.

(تجدر الإشارة الى أنّ معلومة حصول موسكو على ما يشبه التفويض من الغرب لإيجاد حلّ للازمة السورية وصلت الى مرجع سياسي كبير في بيروت قبل ايام، وذلك عبر تقرير منسوب لمصدر كبير في الاتحاد الاوروبي – ستنشر فحواه «الجمهورية» لاحقاً).

وتحت هذا العنوان (التفويض الدولي) حصل تشجيع اميركي – فاتيكاني لموسكو بأن تحاول عبر المفتاح الايراني معالجة باب الملف الرئاسي الموصد في لبنان.

وأبعد من ذلك، تتحدّث هذه المعلومات عن أنّ كلاً من الفاتيكان وموسكو لديهما وجهة نظر واحدة ليس فقط على مواصفات الرئيس المفترض أن يكون توافقياً، بل أيضاً على اسم شخصية بعينها، تعتقدان أنّها تلبي هذه المواصفات من جهة وتلبّي ما هو مشترَك من تنسيق بين الفاتيكان وموسكو لحماية الوجود المسيحي في الشرق.

وتفصل هذه المعلومات بموضوع النشاط الروسي لبناء جسور سياسية مع الأقليات في المنطقة، فتؤكّد أنّ نظرة موسكو لدورها هذا لا يشتمل على توفير ضمانات حماية للمسيحيين فقط بل للعلويين وحتى الدروز. وتلفت هذه المعلومات الى أنّ روسيا على رغم عدم موافقتها على مواقف النائب وليد جنبلاط من سوريا، إلّا أنها تحافظ على علاقتها به، مراعاة لاهتمام بإبقاء إرث الصداقة التاريخية مع والده.

كما أنّ روسيا لديها مع الكنيسة الارثوذكسية في لبنان علاقة جيدة، وعلى رغم وجود بعض النقص بعلاقتها مع بكركي، إلّا أنها تستطيع تعويضه من خلال علاقتها المتينة مع الفاتيكان التي لها دالة كبيرة على بكركي.

قصارى القول إنّ موسكو ضمن دورها الجديد حيال أزمات المنطقة المحصّن بشبه تفويض غربي، تضرب لنفسها موعداً مع قيادة محاولة مدعومة من الفاتيكان، لإنتاج رئيس للجمهورية اللبنانية.

وتعتبر هذه المبادرة ذات صلة بالرؤية الروسية العامة لدورها الذي تسعى موسكو الى تثبيته في المنطقة. ويسود اعتقاد بأنّه بمجرد حصول انفراج ملموس في المفاوضات الايرانية النووية مع السداسية الدولية وليس بالضرورة توقيعاً كاملاً، فإنّ هذا سيكون كافياً لأن تطلب روسيا من إيران تسهيل إنجاز هذا الملف.

وتتفاءل مصادر قريبة من روسيا بأنّ الامر لن يلقى تحفّظاً عليه من إيران التي تشترك مع موسكو في هذه المرحلة بمساومات على صلة بالصراع الاقليمي في اليمن.

والواقع أنّ السؤال الذي تطرحه كواليس سياسية لبنانية، هو عما إذا كان لتوقيت انتفاضة عون تحت يافطة الفيدرالية وتغيير النظام وتحصين الحقوق المسيحية، علاقة بتوجيه رسالة إلى الدور الروسي الجديد في أزمات المنطقة، وخصوصاً لشراكته مع الفاتيكان في خصوص إنتاج رئيس بمواصفات توافقية، ويكون تجسيداً لرؤية استقرار نظام الطائف الذي تعتبره موسكو ليس فقط افضل حلّ لتركيبة لبنان السياسية والطائفية بل نموذجاً يمكن تعميمه على جواره، كونه يحمي حدود الدول الوطنية ضدّ نزعة تفكيك «سايكس بيكو» ويضمن حقوق تمثيلية للاقليات.