في خضمّ الأزمات الحياتية التي تعصف بالبلاد، وفي ظلّ الفراغ الرئاسي والشلل المؤسساتي المستمرَّين، تبرز مسألة جديدة تُحَمِّل الأقطاب السياسية مسؤولية إضافية لجهة أنّ عدم عَقد جلسة تشريعية لإقرار عدد من القروض المقدّمة من البنك الدولي وغيره من المؤسسات الدولية يؤدّي إلى شطب لبنان عن جدول قروض البنك الدولي ويضرب صدقيته دولياً.
وفيما تصبّ بعض القوى السياسية حملاتها باتّجاه القوى المسيحية، لناحية عرقلة حصول لبنان على هذه القروض، واستمرار مسألة تعطيل المؤسسات من خلال تأزيم التشريع، كيف تدافع القوى المسيحية عن مواقفها، وهل من احتمالٍ لعدول بعضها عن جزءٍ من مطالبه في ظلّ تمسّك بعض هذه القوى بموقفٍ مبدئي للحفاظ على موقع رئيس الجمهورية، ومطالبة أخرى بإدراج ما يرونه مهمّاً للبلاد على جدول أعمال جلسات التشريع تحت عنوان تشريع الضرورة؟
موقف «حزب الكتائب» جاء على لسان النائب إيلي ماروني الذي أكّد لـ«الجمهورية» أنّ «الحزب يدافع عن الدستور من خلال إصراره على انتخاب رئيسٍ للجمهورية، وهذا ما نعتبره أهمّ مِن القروض والهبات، إذ إنّ هدفنا الحفاظ على الوطن ومؤسساته، بدءاً من رئاسة الجمهورية»، معتبراً أنّه «كما يستطيع مجلس النواب الاجتماع من أجل التشريع، يستطيع الاجتماع لانتخاب رئيس، بهدف الحفاظ على كيان البلد وهيكليته».
أمّا بالنسبة إلى تحَمّل «الكتائب» جزءاً من مسؤولية عرقلة حصول لبنان على قروض عبر تأزيمه انعقادَ جلسات التشريع، فأشار ماروني إلى «أنّنا بحثنا بشأن تأثير غيابنا على النصاب وعلى انعقاد مجلس النواب أو عدمه، لذلك موقفُنا مبدئي بهدف الحفاظ على مؤسسات الدولة».
وأبدى ماروني خشيته من أن «يستمرّ عمل المؤسسات على قدمٍ وساق في ظلّ الفراغ على المستوى الرئاسي، فلا بدّ من تنبّه اللبنانيين إلى أنّ وجود الرئيس ليس كغيابه».
وعلى مستوى «القوات اللبنانية»، فقد استغربت مصادرها تحميلَ المسيحيين مسؤولية عرقلة التشريع، في الوقت الذي كانت فيه السبّاقة إلى الخروج بصيغة تشريع الضرورة كتجسيد عمليّ للفراغ الرئاسي، الأمر الذي أفسَح في المجال أمام البرلمان لإقرار كلّ ما يتّصل بأولويات الناس.
وما يدعو للاستغراب أيضاً، وفق مصادر «القوات» دائماً، هو تجاهل الأولويات المسيحية من قبيل قانونَي الانتخاب والجنسية، سيّما أنّ القانون الأوّل يعيد إنتاج السلطة ويصحّح الخلل الميثاقي في التمثيل، فيما الثاني يصحّح الخلل الميثاقي في الديموغرافيا.
من جهته، نفى النائب ألان عون «أن يكون التيار الوطني الحر معرقلاً للتشريع، لتحميله المسؤولية»، مشيراً إلى «أنّنا نقوم بواجباتنا في الحكومة وفي مجلس النواب».
وحمَّل عون مسؤولية تأجيل أيّ تشريع، لـ«مَن يرفض وضعَ مسائل مهمّة على جدول الأعمال، والذي لا يترك أمام المسيحيين سوى ورقة الضغط السياسي للحصول على مطالبه، والتي لا يستطيع الوصول إليها عبر الحوار»، مضيفاً أنّه «لا يجوز اجتزاء الموضوع ورميُ المسؤولية على المسيحيين، فنحن نتعاطى مع التنبيهات والتحذيرات وفقاً لأهمّيتها وجدّيتها، كذلك نتعامل بكلّ مسؤولية مع المسائل التي تتحدّد ضمن الضرورة القصوى، لذا لا نريد استباقَ الأمور على أساس أنّ المسيحيين يفتعلون المشاكل، فمتى اعترضَتنا مشكلة ولم نتحمّل مسؤوليتها؟»
وركّز عون على «أنّنا لا نسعى لعرقلة جلسات التشريع، بل لخلقِ الظروف المناسبة للمشاركة فيها، فهدفُنا ليس المقاطعة بل أن يتضمّن جدولُ أعمال الجلسات، المسائلَ التي نعتبر أنّها مهمّة للبلد»، موضحاً «أنّنا ضغطنا للتوصّل إلى وضع مسائل معينة على جدول الأعمال، كقانون الانتخابات وغيره، وليس من أجل العرقلة».
إذاً، بين حق القوى المسيحية في إعلاء أولوياتها الوطنية-الميثاقية، وبين التحديات المالية الكبرى التي تتطلب عقد جلسة تشريعية لإقرار القروض والهبات والرواتب وغيرها، هل من حلول وتسويات يمكن أن تبصر النور في اجتماع هيئة مكتب مجلس النواب التي ستضع اليوم جدول أعمال الجلسة التشريعية؟