IMLebanon

هل يريد المسيحيون والشيعة والسنة رئيساً؟!

كلام في السياسة |

قد يكون توتر وليد جنبلاط هذه الأيام أخطر دليل على عمق المأزق الذي بلغه لبنان. يعرف الرجل أو يستشعر مصيرية الأزمة وكوارثيتها. إذ ليس تفصيلاً ولا طبيعياً أن تصل الأمور إلى هذا الدرك. سلسلة من التناقضات والتقلبات التي لا يمكن تفسيرها ولا شرحها، إلا بالاستناد إلى الأفكار المكبوتة، أو غير الواعية، على طريقة التحليل الفرويدي.

وإلا كيف يعقل أن يستمر الشغور الرئاسي نحو عشرين شهراً، في ظل لازمة إعلامية بروباغاندية مستمرة لدى البعض، اسمها أن ميشال عون هو عقبة التعطيل وأن الاتفاق المسيحي هو الحل. علماً أن اتفاقاً كان قد تم بين عون وسعد الحريري قبل سنتين كاملتين. ولم يتغير شيء. وعلماً أن اتفاقاً مسيحياً أنجز قبل نحو شهر. ولم يبدل كثيراً في المأزق حتى اللحظة. لا بل خرجت إلى العلن أصوات صريحة. هي نفسها التي كانت تتهم عون وحزب الله، لتقول إن الشغور مستمر لأن القرار الإقليمي والدولي بتعيين رئيس لجمهوريتنا لم ينضج بعد. فيما العالم كله تقريباً، وعن جد وصدق، يؤكد أنه غير معني بالضغط على اللبنانيين لا سلباً ولا إيجاباً في موضوع الرئاaسة. وأن أي عاصمة لم تعد مهتمة ولا ملتزمة إنجاز استحقاقنا ولا إجهاضه. واشنطن أبلغت الجميع وتكرر ذلك كل يوم. موسكو واضحة أكثر. طهران جازمة. وحتى الرياض بين انشغالاتها والأولويات الخاصة بها، تركت لبنان وجماعاته لقرارهم. ما الذي يعرقل الاستحقاق الرئاسي بعد؟ قد تكون تلك الرهانات الجماعية، غير الواعية، وغير المقولة ربما.

مثلاً، قد يكون السبب، نظرياً، رهاناً مسيحياً على الخروج من الطائف. لا من الطائف النص الميثاقي والتساوي الحرفي المكتوب. بل من الطائف الواقعي والممارسة التهميشية الإقصائية. قد يكون اللاوعي المسيحي، زعماء وقوى وشعباً، بات يفكر كالآتي: أما وقد أجمعت نسبة تسعين في المئة من المسيحيين على مرشح. وقد حاز المرشح نفسه على تأييد كبير لدى قواعد الطوائف الأخرى. وقد انشغلت دمشق بحروبها فلا وصاية ولا أطماع. وقد سدت في وجه اللبنانيين كل عواصم الرعايات، فلا طائف ولا دوحة ولا أي فسحة… ووسط ذلك كله يجد المسيحيون أنفسهم عاجزين عن إيصال زعيمهم الأول إلى بعبدا. عندها لا لزوم لهذا النظام ولا ضرورة لتلك الرئاسة ولا جدوى من الاستمرار في الرهان على التركيبة القائمة. فلتسقط ولنذهب منها إلى أي شيء كان. حتى إلى نظرية الجغرافيا الآمنة. فلبنان الوطن مفترض أرضاً وشعباً ومؤسسات. فيما المؤسسات باتت محظورة على المسيحيين. والشعب صار مستبدلاً بالتجنيس والتهجير والنزوح. والأرض باتت مهددة بين داعش وخلاياها النائمة المجتاحة. قد يكون في اللاوعي المسيحي اليوم، شيء من سلوك الانتحار، أو هدم الهيكل. وهو السلوك الذي تفهم ترجمته بهذا الموقف الصلب: إما أن نختار الرئيس الآن، وإما بلا رئاسة ولا جمهورية ولنذهب إلى ما بعدهما منذ الآن أيضاً!

وقد يكون السبب مثلاً، ودائماً نظرياً، رهاناً مقابلاً في اللاوعي الشيعي. مفاده، أنه في ذروة قوتنا السياسية والعسكرية. لا بل في ظل فائضها. وفي لحظة التفاهم الغربي مع إيران. وفي مرحلة صمود خياراتنا في سوريا. وفي مواجهة خطر الذبح على رقابنا، بين عدوانية اسرائيل ووحشية «داعش». وفي مرحلة توافقنا مع أكثرية مسيحية واضحة. وفي حمأة اضطهادنا كفئة لبنانية وكجماعة إقليمية، من قبل أخطبوط المال العالمي بغرض إخضاعنا وسحقنا. وفي حقبة ما بعد تضحياتنا الجسام، من تحرير الجنوب إلى حماية كل الحدود… في هذا الوقت بالذات، إذا كان المطلوب من الاستحقاق الرئاسي، الإتيان بشخص، أي شخص كان، ليشكل حلقة أخرى من مسلسل استهدافنا في ما ومن نمثل، من لبنان إلى كل المنطقة. وإذا كان المطلوب من انتخاب رئيس، إعادة معادلة السلطة في بيروت إلى ما كانت عليه في ظل الكونسورسيوم الثلاثي بين عنجر وبندر وعوكر… عندها، ماذا يهمنا من الاستحقاق وأي جدوى لنا فيه وأي مصلحة وخير؟! فليترك الأمر والوضع على اهترائه، حتى نذهب إلى وضع آخر، نكون فيه شركاء فعليين، في النص والفعل. على الورق كما على الأرض.

وقد يبقى رهان ثالث مطابق في اللاوعي السني. رهان من نوع أنه في زمن مظلومية أهلنا، من العراق إلى سوريا، ومن صنعاء إلى بيروت. وفي زمن خروج السعودية من سياسة الوكلاء والحروب البديلة إلى مواجهة الأعداء والمعارك الأصيلة. وفي زمن صعود تركيا النيو عثمانية، وسقوط الحكم العلوي في دمشق إلى غير رجعة. وفي زمن توثب نحو 17 مليون شخص من جماعتنا قرب حدودنا، كما قال أحد الوزراء ذات زلة. ووجود أكثر من مليون منهم في لبنان، باتوا يشكلون زيادة سكانية سنوية تفوق كل زيادة اللبنانيين. وفي زمن الصحوة والبدر والحزم والرعد … إذا لم نفرض الآن أرجحيتنا في النظام، فلا لزوم له. فلنتركه نهب الاهتراء حتى التآكل الكامل. ولندعه مستنقعاً لاستنزاف الآخرين، طالما أن العناصر التأسيسية لريح لبنان وسوريا ستكون في أشرعتنا…

قد يكون كل ما سبق مجرد أوهام. لكنه في حال صحة أي منه، سيكون كارثة حتمية على الجميع. وفي كل حال، يظل المطلوب، الآن وفوراً، رئيساً يمثل المسيحيين، ويعرف كل الآخرين ويعترف بشراكتهم. ويعرف لبنان ولا يشرك في استقلاله ولا سيادة دولته ولا حرية شعبه. تحت طائلة الاندثار الفعلي والانتحار الجماعي.