إلى متى يظلّ “حزب الله” يقرّر وحده الموت والحياة للبنانيين والسلم والحرب في لبنان، وينسى أو يتناسى معادلة “الجيش والشعب والمقاومة” التي يتمسّك بها وهو الذي يسقطها كل مرّة بتفرّده في تطبيقها؟ والى متى يظل يتحدى شريكه في الوطن بالقول له: “الأمر لي”؟ فمع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي قرّر التدخل في الحرب السورية دفاعاً عن النظام فيها مخالفاً سياسية النأي بالنفس التي اعتمدتها تلك الحكومة ونالت ثقة مجلس النواب على أساس هذه السياسة التي أكدتها في بيانها الوزاري، وخالف “إعلان بعبدا” الذي كان الحزب أحد موقّعيه، وكذلك معادلة “الجيش والشعب والمقاومة”، التي يتمسّك بها، عندما لم يستشر أياً من هذه الثلاثية عند اتخاذه قرار التدخل في الحرب السورية، لا الشعب ولا الجيش… وها هو يستعد لتكرار مخالفة سياسة حكومة الرئيس تمام سلام، وهو ممثل فيها، التي تلتزم الحياد في صراعات المحاور بالتدخل في معركة القلمون من دون أن يقف مرّة أخرى على رأي الشعب ولا على رأي الجيش في هذا التدخل الذي قد يرتد سلباً إلى الداخل اللبناني كما أرتد سلباً عليه في الحرب السورية، فكانت التفجيرات والسيارات المفخخة في غير منطقة في لبنان رداً على هذا التدخل.
لقد أدى تدخل “حزب الله” في الحرب السورية دفاعاً عن النظام فيها إلى استقالة حكومة الرئيس ميقاتي لأنها لم تستطع تحمّل ردود الفعل على هذا التدخل سياسياً وأمنياً واقتصادياً ودفع لبنان ثمن تعطيل موسم السياحة والاصطياف بعدما تعطّل في حرب تموز 2006 وفي أحداث 7 أيار 2008، وسوف يعطله التدخل في معركة القلمون.
وإذا كان تدخل “حزب الله” في الحرب السورية قد أسقط حكومة الرئيس ميقاتي وأدخل لبنان في أزمة وزارية دامت أكثر من عشرة أشهر توصلاً إلى تشكيل حكومة الرئيس سلام، فهل تسقط هذه الحكومة أيضاً إذا أحدث تدخل الحزب في معركة القلمون تداعيات خطيرة في الداخل سياسياً وأمنياً واقتصادياً فيتعذّر تشكيل حكومة جديدة ويكون عندئذ الفراغ الحكومي بعد الفراغ الرئاسي، واحتمال حصول فراغ تشريعي يكمل حلقة الفراغ الشامل الذي يدخل لبنان في فوضى عارمة ويدفع به نحو المجهول الذي لا خروج منه إلا بعقد مؤتمر وطني يفرض إعادة النظر في دستور الطائف في ظروف غير ملائمة بحيث لا يتم التوصل إلى اتفاق على دستور جديد يكون أكثر عدالة وانصافاً في توزيع الصلاحيات على السلطات الثلاث، فيستمر الفراغ الشامل إلى ان يتم الاتفاق عليه سلماً أو حرباً، خصوصاً مع وجود سلاح في يد “حزب الله” من دون سواه، وعندها يكون الدستور الجديد تم الاتفاق عليه بعد حرب كما تم الاتفاق على دستور الطائف بعد حرب أيضاً؟
والسؤال المطروح هو: هل يغطي “التيار الوطني الحر” مسيحياً تدخل “حزب الله” في معركة القلمون كما غطى تدخله في الحرب السورية دفاعاً عن النظام فيها؟ وإذا فعل، ماذا يبقى من معنى لحوار يستمر بينه وبين “القوات اللبنانية” التي ترفض بقوة هذا التدخل؟ فأهمية الحوار بين طرفين أو حزبين مختلفين هي في توصلهما إلى اتفاق على القضايا الوطنية وليس على قضايا ثانوية لا تهم الناس بقدر ما يهمهم كل ما يتعلق بمصير لبنان كياناً وهوية.
لذلك مطلوب من العماد ميشال عون اتخاذ موقف إذا ما قرّر “حزب الله” التدخل في معركة القلمون وكان له تداعياته الخطيرة على الداخل اللبناني كما كان لتدخله في الحرب السورية تداعيات خطيرة أيضاً لا يزال لبنان يعاني منها سياسياً وأمنياً واقتصادياً. فاذا لم يتخذ عون موقفاً من هذا التدخل المخالف لسياسة النأي بالنفس ولـ”اعلان بعبدا” ولمعادلة “الجيش والشعب والمقاومة” فإنه يصبح مطلوباً من الدكتور سمير جعجع أن يكون له موقف من العماد عون ومن استمرار حوار عبثي لم يحقق حتى الآن لا انتخابات رئاسية التي لها الضرورة الأولى ولا حياد لبنان الذي يدعو اليه غالبية اللبنانيين لأنه السبيل الوحيد لحمايته وانقاذه.
إن واجب الجيش وقوى الأمن الداخلي ومعهما الشعب، الدفاع عن حدود لبنان ضد أي معتد وليس الدفاع عنها من داخل حدود دولة أخرى لئلا يكون قد اعتديَ على حدود هذه الدولة وصار ردّها على ذلك مشروعاً. فعلى “حزب الله” إذاً مساندة الجيش وقوى الأمن الداخلي في الدفاع عن حدود لبنان وليس عن حدود أي دولة أخرى لئلاّ يرتد على الداخل اللبناني بأسوأ العواقب.