قد يكون من العلامات الفارقة أنّ الرئيس باراك أوباما أعلن الحرب على «داعش» في الذكرى السنوية الـ13 لنكبة 11 أيلول. فـ«داعش» هي نسخة 2014 لـ«قاعدة» 2001. وفي الحالين، هناك مَن «فَبْرَكَ» الإرهاب التكفيري لتبرير المتغيّرات الكبرى. وسيكون مطلوباً تكبير حجم «داعش» كفزّاعة، كما جرى تكبير «القاعدة»… حتى انتهاء دورها وتصفية أسامة بن لادن.
يجزم الخبراء أنّ الضربات التي ستتلقّاها «داعش» لن تمحوها عن الخريطة، وفق ما يطمح كثيرون. والرئيس أوباما نفسه أكد أنّ الحرب ستُضعف «داعش»، لكنها طويلة، قبل القضاء عليها.
وهذا يعني أنّ «داعش» مكتوب لها الحياة لتشهد ولادة المتغيّرات الكبرى في الشرق الأوسط، ولتشارك فيها. فثلاث سنوات من عمر المنطقة ستكون كفيلة بحصول متغيّرات عملاقة.
ويلتقي هذا الاستنتاج مع معلومات وتحليلات متقاطعة لدى غير مَركزٍ للدراسات، وهي تؤكد أنّ «داعش» صُنعت لكي تؤدي دوراً في تقسيم المنطقة. فلولاها لَما انهارت الحدود السورية – العراقية، ولما ارتسمت في البلدين ملامح أربعة كيانات متداخلة على الأقل (كيان سنّي واحد أو أكثر، وكيانات ثلاثة شيعية وعَلوية وكردية).
والقوى التي صنعت «داعش»، وعلى رأسها إسرائيل، ستتخلّص منها عند انتهاء دورها. وتقوم الولايات المتحدة الأميركية، اليوم، بمهمة مزدوجة تُلائم الفكرة الإسرائيلية: في المرحلة الأولى، ستَضع ضوابط لتمَدّد «داعش» بحيث لا تتجاوز بطموحاتها الحدود المسموح بها.
وفي الثانية، وتحت غطاء عربي وإقليمي ودولي، ستُكرِّس منطقة النفوذ السنّية التي أنشأتها «داعش»، على أن تقوم على أنقاضها قوى أخرى أكثر اعتدالاً، قادرة على تأمين الاستمرار لهذا الكيان بين الكيانات الأخرى.
فالبيئة السنّية التي تحكمها «داعش» اليوم، لن تعود إلى الاندماج مع الشيعة في «العراق السابق» أو العلويّين في «سوريا السابقة». وهي ستُكرِّس منطقتها الخاصة، والتي كان لـ«داعش» دور تأسيسها وخَلق العصبية لها. وفي الانتظار، قد يكون مطلوباً أن تتعملَق «داعش» لتصبح في الحجم الذي يؤهّلها صناعة الكيانات والدوَل. ويخشى البعض أن تكون من مقتضيات هذا التعملق تنفيذ التنظيم عمليات إرهابية نوعية، كتلك التي نفّذتها «القاعدة» في 11 أيلول 2001.
وهذه العملية كانت السبب في صعود التنظيم، وبدء التعاطي معه كلاعب يَمتلك الثمن الملائم للمشاركة في اللعبة. قد يكون على «داعش» تكرار تجربة «القاعدة»، علماً أنّ هناك فارقاً في طبيعة كلّ من التنظيمين وأدواته. فـ»القاعدة» لم تسيطر على بقعة شرق أوسطية ثمينة، وربما لم تكن لها المقوّمات للحصول على موارد مالية ثابتة، ولم تحظَ بدعم إقليمي مباشر.
لكنّ قوة «القاعدة» كانت في كونها تنظيماً زئبقياً يصعب القبض عليه، وهي بذلك أقوى من «داعش». ويتخوّف البعض في الولايات المتحدة وحليفاتها الغربيّات من لجوء «داعش» إلى عمليات إرهابية كارثية. لكنّ البعض الآخر يستبعد أن تعتمد «داعش» أسلوب «القاعدة»، لأنّ أسلوبها يقوم على بناء قوات مسلّحة تخوض الحروب على جبهات الشرق الأوسط.
لكنّ تحرُّش «داعش» بالأميركيين والبريطانيين من باب تصفية الرهائن يوحي بأنّ الاحتمالات مفتوحة، وبأنّ التنظيم يملك أوراقاً، بينها العمليات الإرهابية ضد الغربيين، ربما سيستخدمها عندما تحتدم المواجهة. فهل الضربات الغربية المُنتظرة تأخذ في الاعتبار تعطيل هذه الأوراق قبل استخدامها؟
حتى اليوم لم يتضح تماماً مَن هي «القاعدة»؟ ومَن كان وراء 11 أيلول، ولماذا؟ لكنّ أحداثاً جليلة أعقبَت هذه المحطة. فأيّ أحداث منتظرة في ظلِّ ولاية «داعش»؟