لسنا وحدنا في هذا العالم الذي يتأثر من حادث إطلاق نار على شرطي في أحد شوارع باريس حيث تنقل مباشرة ولساعات مشاهد من موقع الحدث، فكيف الحال إن اندلعت حرب في أرض ما على هذه المعمورة؟. لم يكن لبنان يوماً منعزلاً عما يجري من حوله، تاريخه وحاضره ومستقبله، كما كل الدول والمجتمعات، سيبقى متأثراً بالواقع الاقليمي والدولي. فنحن في عصر عنوانه: We are connected .
إقليمياً، لبنان ما زال متأثراً بالأزمة السورية ولم ينقطع عن ذلك منذ نشأتها، فالتحالفات والمواقف والقرارات المرتبطة بالقضايا الاساسية الداخلية تأثرت بالازمة السورية الى حد كبير.
داخلياً، نعم يحتسب للقوى اللبنانية أنها استطاعت أن تحيد الساحة الداخلية عن النار السورية وتحول دون انتقالها اليها. أجريت الانتخابات البلدية على وقع مطالبة المجتمع الدولي بضرورة اجرائها، بحيث ساهم الديبلوماسيون وممثلو المنظمات الدولية مساهمات كبيرة في اتخاذ هذا القرار. وانتقلنا الى المبادرات السياسية التي أطلقها الرئيس سعد الحريري بداية، وتالياً بالتعاون مع القوى السياسية كافة. استطاعوا أن يضعوا حداً للفراغ الرئاسي وشكلت حكومة بأسرع مما كان متوقعاً أو مما هو مألوف في تاريخ تشكيل الحكومات.
الآن، أصبح القانون الانتخابي الشغل الشاغل. وخُيّل للبنانيين أننا اقتربنا من فناء البلاد إن لم نقرّ قانوناً للانتخابات، وضاع اللبنانيون بين أشكال القوانين الانتخابية، بين النسبية الكاملة و«التأهيلي» و«الستين»، وكأن القانون وتفصيلاته هو الحد الفاصل بين الولادة الجديدة للبنان أو دونه الموت. كل ذلك يحصل بعد تمديدين للمجلس النيابي المنتخب عام 2009!.
الانتخابات وسيلة لانتاج السلطة وتعكس موازين القوى والاحجام للقوى المشاركة فيها. كذلك الموازين الاقليمية لها دورها وتأثيرها في هذه العملية التي ستحدد أدوار القوى السياسية في حكم البلد. وفي هذا المجال نسأل لنستذكر معاً:
ألم توظف الارتباطات الاقليمية لبعض القوى السياسية اللبنانية في تشكل حركتها وأدائها؟
ألم ينعكس دور «حزب الله» في الميدان السوري على خطابه ومفرداته من نوع «حزب الله قوة اقليمية»؟
كم من مرة أشار الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله في خطابات الى «انتصاراته» في الميدان السوري واستثمارها في الداخل اللبناني؟ ألم يقل في معرض توجيهه الكلام الى القوى السياسية اللبنانية: «اقبلوا الآن بما نطرح عليكم لأننا بعد وقت ممكن أن نغيّر رأينا»؟ ماذا عن نشاط «حزب الله» والعقوبات الاميركية التي اضطرت الدولة اللبنانية للسعي الى تفكيك «ألغامها» قبل أن تنفجر بمصالح اللبنانيين؟
ان هذا الاستثمار لـ «المغامرات» الاقليمية في الداخل جعل من الاقليم شريكاً في تقرير مصير القضايا الاساسية في البلد ذلك أن «المغامر» ينتظر اللحظة التاريخية التي يصرف فيها «انتصاره» في الداخل.
تأثيرات الأزمة السورية على لبنان تعدّت حدود الأزمة العابرة لتصل الى مستوى «عقبة» أساسية في مسار تشكيل السلطة في لبنان، والفضل في ذلك يعود الى من انغمس فيها وسعى الى ربط نتائجها بالوضع الداخلي على مدار السنوات الخمس من عمرها.
ان إغفال دور «ميزان القوى الاقليمي» وتأثيره في تَشَكُل «ميزان القوى الداخلي اللبناني» يجعل الحديث عن قانون الانتخابات مبتوراً وغارقاً في تفاصيل النِسَب والمواقف المختلفة حول التقسيمات الادارية وحجم الدوائر وتقنيات القانون.
لم يستقر بعد ايقاع الحرب في سوريا ولا زالت نهاياتها غير منظورة في ظل انخراط العديد من القوى الدولية فيها بشكل أو آخر. هذه القوى نفسها تعيش في التوقيت نفسه ولادة ادارات سياسية جديدة اقليمياً ودولياً. الاستفتاء في تركيا الذي غيّر شكل النظام، الى الادارة الاميركية الجديدة بقيادة دونالد ترامب، الى الانتخابات الفرنسية، وفي بريطانيا تعتزم رئيسة الوزراء تيريزا ماي الدعوة الى انتخابات برلمانية مبكرة. فضلاً عن التحديات «الوجودية» التي يواجهها الاتحاد الأوروبي. ومما لا شك فيه أن أولويات هذه الدول ستتبدل مع اداراتها الجديدة.
تأخر الحسم السياسي في سوريا ولم يتبلور بعد ميزان القوى ليحدد أدوار اللاعبين الاقليميين والدوليين. وبالتالي أي «حديث» عن انتخابات تنتج قوى سياسية وموازين جديدة سيكون «حديثاً ضعيفاً». التقاطع بين «مصلحة» الغرب في استقرار لبنان وأمنه مع «حاجة المغامرين الى حديقة خلفية» هو «حديث مسند»، وهو واقع بين سندان التهديدات الأمنية على الحدود مع العدو الاسرائيلي ومطرقة تأخر «النصر الإلهي» في الميدان السوري ليوظفه في تغيير المعادلة الداخلية. قد يعني ذلك شيئاً للبنانيين الذين ينتظرون استحقاقهم النيابي.
(*) عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل»