Site icon IMLebanon

هل ينتظر الحوثيون آخر صاروخ إيراني؟

 

حسناً فعلت قوات التحالف في اليمن بقيادة السعودية؛ حينما أصرت على ضرورة القيام بتحرير ميناء الحديدة من قبضة ميليشيا الحوثي، رغم كل المخاوف الدولية التي كانت تنظر إلى الجانب السلبي من انهيار الوضع المنهار أصلاً في المحافظة، حتى منذ قبل قيام «عاصفة الحزم»، إضافة إلى تدهور الحالة الاقتصادية والإنسانية هناك، منذ أن أحكمت الميليشيا قبضتها على الميناء والمحافظة، الذي شكل محطة استقبال لصواريخ إيران وأسلحتها وإمداداتها. واليوم نرى بداية تحول استراتيجي في الحالة اليمنية بعد أن تم إقفال صنبور الدم والخراب في ميناء الحديدة، الذي كان يستغله الحوثيون، إضافة إلى بناء اقتصادات الإرهاب، من خلال فرض الإتاوات على قوافل المنظمات الإنسانية، وسرقة المساعدات التي تقدمها المملكة، وإعادة بيعها للمواطنين بأسعار باهظة.

علامات الهزيمة والانكسار بدت واضحة على محيا فتى إيران الحانق على اليمنيين، مطالباً إياهم بضرورة الثبات، مدعياً أن حجم المعركة في الساحل الغربي يتطلب مزيداً من التحشيد، وهو ما شكل اعترافاً واضحاً ومهماً بالهزيمة العسكرية المباشرة، بعد أن سيطرت القوات اليمنية المشتركة وقوات التحالف العربي على الوضع، تحقيقاً لانتصارات متتالية وسريعة على مختلف الجبهات في المحافظة اليمنية الأكثر أهمية للحوثيين، التي يعني تحريرها تمهيد الطريق إلى انكسار كبير في صنعاء، رغم كل الأكاذيب التي يطلقها إعلام الحوثي والإعلام المساند له، لا سيما قناة «الجزيرة» التي تحاول الاستثمار في خرائب اليمن لصالح وضعيتها في استهداف السعودية في أي ملف داخلي أو خارجي.

الحوثي لمح إلى ضرورة الانتقال إلى العمليات الانتحارية، مما يؤكد تراجع قواته في المواجهة العسكرية المباشرة، بعد سقوط كثير من الضحايا من الأهالي والشباب الذين يزج بهم قسراً في المعارك خارج إطار صنعاء وصعدة.

تحرير الحديدة ببساطة هو توقف إمدادات الأسلحة الإيرانية، وما ينتظره الحوثي الآن هو انتظار آخر صاروخ إيراني لينتقل إلى خطاب الضحية، ويطالب بحوار سياسي شامل، ويعود ليقدم نفسه كطرف سياسي مؤثر يجب أن يأخذ حقه في المشاركة والصيغة التوافقية التي انقلب عليها. ولا شك أن تأخر وضعية الحسم في اليمن ليس بسبب ضعف «عاصفة الحزم» التي تحقق أهدافها، ولكن بسبب استغلال الحوثي والميليشيا للمدنيين وقوداً للمعركة، وبسبب ارتباك المجتمع الدولي في النظر إلى ميليشيا الحوثي كطرف سياسي أحياناً، وإلى المعركة كحرب أهلية، وليس انقلاباً سافراً بأذرع خارجية. فالعوائد الاقتصادية التي كان الحوثيون يستفيدون منها في الحديدة تقدر بالملايين، بسبب تحصيل الرسوم من السفن التي كانت ترسو في الميناء، والإتاوات على التجار والمنظمات، وحتى السكان الذين يتم دخول بيوتهم عنوة لتجنيد مقاتلين.

الحوثيون اليوم ينتقلون إلى سياسة التهجير والطرد للأهالي من البيوت، كما نرى في تصرفهم الأرعن تجاه أهالي قرى متاخمة، مثل قرية سيف والمشاقنة، وكل القرى جنوب شرقي مطار الحديدة، وذلك بحجة أنها تحولت فجأة إلى مناطق عسكرية بعد تقدم قوات التحالف، ومن جهة ثانية ادعاء أن قوات التحالف التي تطاردهم تستهدف المدنيين الذين تم تهجيرهم أصلاً من الميليشيا.

استهداف القرى المتاخمة للميناء ينتقل الآن إلى منطقة زبيد، وتقوم الميليشيا بخطف أهالي وأعيان المدينة، وحتى قوات الأمن والجيش السابق للنظام، يرفضون المشاركة اليوم مع الحوثيين، بعد انكشاف حالة اختطافهم لهم ولليمن، مما اضطرهم إلى حفر الخنادق على الطرق السريعة، في محاولة لوقف تقدم القوات اليمنية، وقوات التحالف التي ينضم لها كثير من الكتل والشباب، ممن شكلوا قوات مقاومة ضد اختطاف الميليشيا لهؤلاء، في إشارة واضحة إلى تحول مسار الحالة اليمنية باتجاه هزيمة كبيرة للحوثيين وإيران والأبواق التي تساندهم.

من المهم اليوم لليمنيين ولقوات التحالف وللعقلاء في دول العالم، إعادة النظر في تصنيف ميليشيا الحوثي، باعتبارها كياناً إرهابياً قام بجرائم حرب ضد الشعب اليمني، ولا يمكن لطرف كهذا أن يتحول فجأة إلى كيان سلمي وسياسي، يتم التفاوض معه لمجرد أنه خسر آخر صاروخ إيراني من إمداداته. الحوثيون كانوا ولا يزالون أحد أخطر الكيانات العسكرية المؤدلجة عقائدياً، التي تسعى إلى بناء مشروع إمامة ماضوي، كما فعل تنظيم داعش ولا يزال مهدداً لأمن الخليج ودول المنطقة؛ بل حجر عثرة أمام إمدادات العالم التي ينتظرها عبر الملاحة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر.

اليوم الفرصة مواتية للمجتمع الدولي لإصلاح الحالة اليمنية باتخاذ موقف صارم وقوي تجاه ميليشيا الحوثي الانقلابية، تبدأ بإدانة إطلاقها للصواريخ، وحيازتها للأسلحة، واختطافها للأهالي، وتجنيد المدنيين، وخطف الأعيان، وفرض الإتاوات، ومحاولة تغيير هويّة اليمن في السياسة والتعليم، وتغيير الخريطة المجتمعية لليمن المتنوع.

على المستوى السياسي، الحل السياسي يكمن في دعم الحكومة الشرعية، وضرورة استكمال المبادرة الخليجية بعد انتهاء اجتثاث وتقليم أظافر الميليشيا الانقلابية، والبدء في تنفيذ مخرجات الحوار الوطني الذي مثل حالة إجماع وطنية فريدة وغير مسبوقة، وشارك فيها كل اليمنيين، بمن فيهم الحوثيون في تلك الفترة.

الحوثي بخطاباته الماضوية وشعاراته المعادية لدول العالم، بما فيها الولايات المتحدة، واستهدافه لأمن الخليج، خدم «عاصفة الحزم» التي يجب أن تصبح موضع إجماع وتأييد للمجتمع الدولي اليوم، وذلك بعد انكشاف التدخل الإيراني، وأوهام المترددين حول نيات الميليشيات، فهذا الكيان لا علاقة له بالسياسة قدْر أنه كيان عسكري آيديولوجي عقائدي مستلَب الإرادة لصالح طهران، تستخدمه ولا تعتبره امتداداً حقيقياً. هو ميليشيا متطرفة انتهازية حلّت محل الجيش النظامي، بسبب شره سياسي لحزب المؤتمر الذي كان ينوي العودة إلى سدة الحكم، إلا أن الإشكالية الكبرى أن ميليشيا الحوثي، بسبب استغلال بعض الأصوات للحالة اليمنية الحرجة قبل «عاصفة الحزم» بفترة طويلة بسبب غياب الدولة، تحولت إلى ما يشبه الدولة، بعد أن تحالفت مع بعض القبائل بفعل قوة السلاح وفرض الأمر الواقع، والوصول إلى اقتصادات الميليشيا عبر الإتاوات وفرض الضرائب، حتى على قوافل الإغاثة الإنسانية ومرور مساعدات المنظمات الدولية، التي يأتي معظمها من السعودية.