IMLebanon

هل يستطيع اللبنانيون الاعتماد على أنفسهم؟

تحصين لبنان لتجنيبه التطورات الدراماتيكية وأبرزها انتشار نار الحرب السورية فيه أمر ضروري وواجب. لكن السؤال الذي يُطرح هنا هو: هل يكفي إعلان الطرفين الأساسيين في لبنان 8 و14 آذار رفضهما حرباً عسكرية وأمنية بينهما يحتمل جداً أن تتحوّل حرباً أهلية – مذهبية يشارك فيها غير لبنانيين، وتصبح تالياً جزءاً من الساحة السورية والحرب الدائرة فيها؟

والجواب هو طبعاً كلا، علماً أنه لا يرمي أبداً إلى التشكيك في صدق إعلان كل من الطرفين المذكورين نياتهما السلمية، ولا إلى تجاهل الجهد الكبير الذي بذله زعيم 8 آذار “حزب الله” لإفشال محاولات جرِّه إلى حرب داخل “بلاده” على رغم قدراته العسكرية والشعبية الكبيرة. كما لا يرمي إلى تجاهل سلمية زعيم 14 آذار “تيار المستقبل” النابعة أساساً من سلمية مؤسسه الشهيد رفيق الحريري. وهي استمرت مع ابنه الرئيس سعد الحريري على رغم محاولة جهات أو شخصيات في “معسكره السياسي” وإن متأخرة تكوين “إطارات” للمواجهة في الشارع، وربما بسبب فشلها.

أما لماذا الجواب هو كلا؟ فلأن الحرب في سوريا كما انكشفت بوضوح في السنتين الأخيرتين مذهبية، ولأن الصراع في لبنان الذي كان طائفياً بين المسيحيين والمسلمين صار مذهبياً بين السنّة والشيعة خلافاً لكل ما يقال في أوساط المذهبيْن، الأمر الذي جعل البلدين الشقيقين أو التوأمين شريكين وإن في صورة غير رسمية، في حرب واحدة مع فارق أساسي هو أن حرب سوريا عسكرية وأمنية ضارية، في حين أن حرب لبنان سياسية وأحياناً أمنية.

والجواب هو أيضاً كلا لأن زعيم 8 آذار منخرط بكليته في حرب سوريا ومُصرٌّ على الاستمرار شريكاً أساسياً فيها، ويريد في الوقت نفسه من 14 آذار وزعيمه مساعدته فيها باعتبارها ضد الإرهاب في رأيه. ولأن هذا الأخير يعتبر الفريق الذي يدعمه زعيم 8 آذار الإرهابي الأول. إذ تعمّد بمواجهته العسكرية والقمعية لثورة الشعب السوري السلمية، وباستغلاله تردُّد أميركا والمجتمع الدولي في مساعدتها، وبعجز الدول العربية عن دعمها منذ بدايتها، تعمَّد تحويل الثورة وغالبية فصائلها إرهابية وإسلامية متشددة حتى العنف والتكفير. ولذلك فان زعيم 14 آذار لن يتجاوب لأنه يكون كمن يساعد من يهدده أو يخاف منه على الانتصار مع حليفه السوري، الأمر الذي لا بد أن يشجعه على الارتداد إلى الداخل اللبناني للسيطرة عليه والتحكُّم به.

والجواب هو ثالثاً كلا لأن 8 و14 آذار كانا ولا يزالان جزءاً من محورين اقليميين متصارعين مذهبياً وقومياً ومصلحياً. والمحوران لا يزالان مصرّين على التحارب عسكرياً بالواسطة في سوريا والعراق وقريباً جداً اليمن، وعلى التصارع سياسياً في لبنان. ولا مانع عندهما من تحويل الأخير ساحة حرب عسكرية وأمنية، إذا نجح في جعلها قدراً لا مفرّ منه متضررون من إبقاء لبنان سليماً في الحد الأدنى. وهم موجودون عند المحورين.

طبعاً لا يرمي ذلك إلى دفع اللبنانيين إلى اليأس على رغم الصعوبة الثابتة لأوضاع بلادهم، بل إلى تبصيرهم في أثناء “سعيهم” إذا كان صادقاً بالعقبات، وإلى دفعهم إلى التفاهم على خطوات لا تحل مشكلاتهم كلها لاستحالة ذلك، ولكن تمنع انتقالهم من الحال السيئة الراهنة إلى حال أسوأ وبكثير.

وأولى الخطوات في هذه المرحلة الانتهاء من الشغور في رئاسة الجمهورية. وذلك يكون الآن باعتماد 8 و14 آذار على نفسيهما للتفاهم على رئيس جديد. إذ أظهر الخارج “الدولي” الآن أنه غير مستعد للمساعدة في هذا المجال ربما جراء انشغاله بقضايا أكثر أهمية وخطورة، وربما أيضاً جرّاء غياب لبنان عن شاشته. ولأن الخارج الاقليمي (إيران – السعودية) وعلى رغم كونه ناخباً أكيداً لرئيس لبنان أبلغ إلى الجميع، وآخرهم الديبلوماسي الفرنسي الرفيع جان فرنسوا جيرو، أن الرئاسة شأن لبناني يحلّه اللبنانيون. ولا يعكس ذلك صدقاً بقدر ما يعكس قوة انخراط الخارج الاقليمي في الصراع وحاجته فيه إلى لبنان، وعدم ممانعته في حال الاضطرار إلى استعماله على النحو الذي يُستعمل في سوريا والعراق واليمن و…

هل يعتمد اللبنانيون على أنفسهم؟

الفريقان الأساسيان اللبنانيان 8 و14 آذار يستبعدان ذلك، وإن بشيء من المرارة، لاقتناعهما بعدم القدرة على الخروج من تحالفاتهما وارتباطاتهما الخارجية. علماً أن المحاولة على هذا الصعيد يجب أن تبدأ أو أن تستمر.