حان الوقت للالتفات الى الحديقة الخلفية للاقتصاد اللبناني، ومعاينة الوضع على حقيقته من دون مبالغة، واتخاذ الاجراءات المناسبة لمواجهة الاستحقاقات التي تنتظر الاقتصاد الوطني في السنوات المقبلة، لئلا نُصاب بخيبة متوقعة، في ظل الضيقة التي بدأت تظهر بوادرها بوضوح في دول الخليج العربي.
يمكن اعتبار العام 2015 نقطة تحوّل في اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي، غير ان انعكاسات هذا التحول وتداعياته في داخل وخارج هذه البلدان ستظهر فعليا في العام 2016، وربما في الاعوام اللاحقة.
واذا كانت حكومات الدول الخليجية قد نجحت في تقطيع المرحلة السابقة بالتي هي أحسن، فانها ستكون مُطالبة بمجموعة اجراءات لمواجهة تداعيات تراجع اسعار النفط على اقتصادياتها، بالاضافة الى احتساب المجهود الحربي الذي قد يستنزف قسما من موازنات تلك الحكومات.
من خلال الدراسات الدولية التي ظهرت حتى الان، تشير التقديرات الاولية الى ان العجز سيصل الى حوالي 180 مليار دولار للعام 2015، بالنسبة الى دول مجلس التعاون، وستتحمّل السعودية القسم الاكبر من هذا العجز.
وفي التقديرات ان موازنات دول الخليج مبنية على اساس معدل وسطي لاسعار برميل النفط تتراوح بين 75 و100 دولار. هذا يعني ان هذه الموازنات ستُصاب بعجز يتراوح بين 25 و40 في المئة.
هذه النسب لا يمكن ان تستمر طويلا، كما انه لا يمكن الاعتماد على تغطية العجز من الاحتياطي الذي سينضب في غضون سنوات قليلة. وبالتالي، ستكون الحكومات الخليجية امام ثلاث خيارات اساسية لمواجهة الأزمة:
اولا – اتخاذ اجراءات تقشفية في الداخل تستند الى مبدأ رفع الدعم عن بعض السلع والخدمات، في مقدمها اسعار النفط للاستخدام المحلي. بالاضافة الى فرض رسوم وضرائب، او الغاء اعفاءات يتمتع بها مواطنو هذه الدول، بهدف خفض الانفاق وتخفيف حدة العجز المتوقع.
ثانيا – اعتماد سياسة تنويع الدخل من خلال خلق مشاريع استثمارية، تساعد على زيادة المداخيل من خارج قطاع النفط الذي يعتبر العامود الفقري لكل اقتصاديات دول الخليج.
ثالثا – خفض حجم الموازنات من خلال الغاء مشاريع عامة ومشاريع بنى تحتية تطويرية.
في مقاربة الخيارات الثلاثة، يتبين ان موضوع فرض ضرائب او الغاء امتيازات على جانب من الدقة، على اعتبار ان مواطني دول الخليج لن يتقبلوا بسهولة مثل هذه الاجراءات. وبالتالي، من المرجّح تركيز هذه الاجراءات على الاجانب الذين يعملون ويعيشون في هذه البلدان.
اما تنويع مصادر الدخل فلن يكون مشروعا سهلا وسريعا، وكان يُفترض أن يتم الاستعداد له منذ سنوات، وبالتالي لا يشكل هذا الخيار حلا واقعيا في الوقت الراهن.
يبقى خيار وقف او الغاء بعض المشاريع. هذا الأمر مُرجّح اكثر من سواه، لكنه يعني المزيد من الانكماش في حركة السيولة في البلد، لأن من المعروف ان مشاريع القطاع العام في دول مجلس التعاون هي التي تحرّك الدورة الاقتصادية في هذه البلدان، وعندما يتأخر تسديد اي استحقاق من قبل الحكومات، تتأثر كل القطاعات في الدولة.
من هنا، يبدو ان الاتجاه الرئيسي لحكومات دول الخليج سيعتمد خطة شطب بعض المشاريع، والغاء عدد قليل من الامتيازات، وهذا يعني ان حركة الاموال والمداخيل للعاملين في هذه البلدان ستتراجع بنسب لا يُستهان بها.
انطلاقا من هذه الوقائع، وتكرارا لتحذيرات سابقة، لا بد من لفت المسؤولين في بيروت الى ان الاقتصاد اللبناني سيكون في مواجهة احتمال تراجع لافت في تحويلات القوى اللبنانية العاملة في الخليج، ولا بد من خطة لمواجهة هذا الوضع المستجد، لأن «غَرْفَ» الأموال من الحديقة الخلفية سوف يتضاءل تدريجاً، وسينعكس هذا التراجع بشكل مباشر على الوضع الاقتصادي في لبنان.
واذا وصلت التسوية الرئاسية الى خواتيمها السعيدة، لا بد من التوصية بأن يبدأ العهد الجديد عمله بدرس هذا الملف وتكليف خبراء وضع خطة مواجهة، قبل حلول المصيبة.