يعيش الوضع الامني هذه الايام على وقع ثلاثة ملفات رئيسية طبعت المرحلة السياسية والامنية: مصير العسكريين المخطوفين لدى تنظيم «داعش» وجبهة «النصرة»، استهداف الجيش في المناطق الحدودية الجردية تارة عبر المفخخات وطورا عبر الكمائن، التوقيفات الجارية والتضارب الحاصل حول حقيقة الموقوفات وتداعيات ذلك. اذ يبدو جليا بحسب مصادر متابعة للملف ان الايضاحات المتعلقة بالملفات الثلاثة غير كافية، فلا المفاوضات الجارية حول العسكريين افلحت في احراز تقدم ، ولا وضع الجيش على الحدود يحظى بالاحاطة اللازمة ، كما ان غموض التوقيفات والتسرع في اعلان المواقف زادا في الطين بلة.
فانجاز الجيش الامني ببعده المحلي وصداه الاقليمي، فتح ابوابا من الاسئلة والمساءلات تقول المصادر، حول الهوية الحقيقية للموقوفة وما اذا كانت زوجة زعيم «داعش» فعليا كما تحدثت مصادر لبنانية ،ام ان الواجب انتظار نتائج التحقيقات والفحوصات؟ واين كانت تقيم في الشمال ومن آواها ومتى دخلت لبنان؟وهل صحيح ما نسب اليها من دور مالي في التنظيم؟واي ورقة قوة اصبحت بيد الجيش في قضية العسكريين المختطفين؟
تساؤلات عززها كلام الناطقة باسم الخارجية الاميركية الذي حمل في صيغته ايحاءات مشككة بالانجاز، خاصة ان المخابرات الاميركية هي الجهة الوحيدة التي تملك الحمض النووي لابي بكر البغدادي زمن اعتقاله، واضافت اليها على حدّ قول المصادر مزيدا من التشويق «خلية الصقورالاستخباراتية « التابعة لوكالة وزارة الداخلية لشؤون الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية ، التي كانت في اساس المعلومات التي وصلت الى مديرية المخابرات عن طريق جهاز «ام6» البريطاني، عبر اعلانها ان سجى عبد الحميد الدليمي هي شقيقة عمر عبد الحميد الدليمي المعتقل لدى السلطات والمحكوم بالاعدام لاشتراكه في تفجيرات البصرة والبطحاء في الناصرية، فيما شقيقتها دعاء عبد الحميد الدليمي معتقلة لدى السلطات في اربيل ، ووالدها يعمل في صفوف «جبهة النصرة»، هربت الى سوريا حيث تم اعتقالها بناء على معلومات عراقية على خلفية قضايا في العراق وسوريا، قبل ان يتم الافراج عنها في صفقة راهبات معلولا، وبالتالي لا تربطها اي علاقة بابو بكر البغدادي، الذي لم يتزوج سوى اسماء فوزي محمد الدليمي وإسراء رجب محل القيسي.
معلومات تضحد كل الاقاويل والتسريبات الاعلامية عن التحقيقات الجارية، وتؤكدها القراءة المتأنية لبيان «جبهة النصرة» حول اعتقال النساء والاطفال، كذلك مصادر التحقيق التي اشارت الى ان التحقيق لم ينته بعد وكل الاحتمالات مفتوحة رغم ان فحوص «الدي ان اي اي» لابنتها هاجر تطابقت والحمض النووي للبغدادي بحسب المعلومات الاميركية، كما انه تم العثور مع الموقوفة على وثيقة تبين نوعية علاقتها بالبغدادي، مشيرة الى انها تتعامل بخشونة مع المحققين الذين يحاولون التكلم معها منذ سجنها، حيث أقرت بأنها تزوّجت من فلسطيني كان يقاتل مع «فتح الاسلام» وهي حامل منه وان اخيها يقاتل مع «تنظيم الدولة الاسلامية» وانها هي نفسها التي طلبت «جبهة النصرة »مبادلتها مع راهبات معلولة وتزوجت عدة مرات متتالية من أزواج قضى غالبيتهم اثناء القتال في سوريا والعراق، وكان احد ازواجها سامرائي ،اي من سامراء ، وهنا نقطة الالتباس الاساسية ، عادت الى لبنان من القلمون بعد أيام من وصولها اليها من جرود عرسال، برفقة «ابو عزام الكويتي» ، الذي قتلته قوة كوماندوس تابعة لـحزب الله في عملية نوعية في يبرود، وبقيت فيه الى اليوم، حيث تزوجت سائق السيارة الذي كان برفقتها ، وذكرت المصادر بأن التحقيقات معها توسعت إلى قضايا امنية وأسباب دخولها إلى لبنان، وما إذا كان ذلك مرتبطا بعمل أمني وإمكانية تواصلها مع خلايا ارهابية في لبنان.
اما زوجة القيادي في «النصرة» أنس شركس المعروف بـ»أبو علي الشيشاني» التي اوقفت اثر مداهمة احدى المدارس الرسمية في حيلان – قضاء زغرتا مع شقيقها وولدها، لم تظهر التحقيقات معها حتى الساعة على حدّ قول المصادر، عن اي معلومة اضافية تتصل بمهمتها في لبنان وما اذا كانت مقتصرة على اللجوء هربا من الخطر ام هدفها مهام امنية اخرى، رغم تسريب البعض عن دور مالي لها، علما ان اوراقها رسمية ومسجلة على لوائح النازحين ،غير ان الامر في مطلق الاحوال لا يمكن الا ان يشكل صيدا ثمينا للجيش وورقة قوة اضافية يمكن ان توظف في المفاوضات لاطلاق العسكريين، وهو ما ظهر جليا في بيان رد الفعل الصادر عن «النصرة».
وفي تفاصيل عملية توقيفها، ان مديرية المخابرات في الجيش ومنذ قرابة الشهرين تتابع بدقة احد حسابات «سكايب» الذي اجري من خلاله اتصال بخاطفي العسكريين، حيث تم تحديد عدد من الاسماء الرمزية ، تم تحديد اماكنها كان احدها في منطقة الكورة، حيث اوصلت التقصيات والمتابعة التقنية لاحد الاجهزة الخليوية الى بلدة حيلان الواقعة ضمن النطاق الجغرافي لقضاء المنية – الضنية وتتبع اداريا لقضاء زغرتا، حيث جرت مداهمتها اكثر من مرة دون التوصل الى نتيجة . غير ان معارك طرابلس جعلت المنطقة تحت مراقبة الجيش بعد شكوك عن احتمال لجؤ شادي المولوي اليها كونها على مقربة من «وادي جهنم» حيث يمكن التخفي بسهولة.
الا ان معلومة وصلت الى المحققين افادت عن امرأة منشغلة دائماً بمواقع التواصل الاجتماعي وبهاتفها الخليوي، تبين انها آلاء العقيلي زوجة أبو علي الشيشاني، المسؤول عن مكان احتجاز الأسرى العسكريين الموجودين لدى « النصرة» وكان شارك في التواصل مع حزب الله عبر وسطاء في إحدى عمليات تبادل الجثث، سورية الجنسية، انتقلت من احد مخيمات اللاجئين في عرسال بعد المعارك برفقة راكان العقيلي التي تعرف عنه انه شقيقها، فجرى توقيفها برفقة ولدين واخيها في عملية امنية دقيقة.
وعلى وقع فرحة البعض بالانجاز وزهوة «الانتصار»، كان عسكريو فوج حماية الحدود الثاني في الجيش في جرود راس بعلبك مجددا هدفا للمسلحين، عرضة لكمين اوقع ستة شهداء بقوا في عداد المفقودين لفترة قبل ان يتمكن الفوج المجوقل من تحديد موقعهم وسحب جثثهم تحت غطاء ناري كثيف، حيث افادت المعلومات بداية عن تنفيذ مجموعة الشيشاني الهجوم انتقاما لتوقيف زوجته، بناء على تواصل جرى بينه وبين احد المشايخ الذي طلب اليه نقل رسالة الى الجهات المعنية عن عدم انتمائه للنصرة متضمنة تهديدا في حال عدم الافراج عن زوجته.
الا ان تنظيم «داعش»، الذي اعتبر تسريب خبر اعتقال الدليمي بمثابة فخ استخباراتي للايقاع بالخليفة ابو بكر البغدادي، حسم التحليلات والتخمينات حول هدف الكمين الذي تعرضت له دورية الجيش في راس بعلبك ، كاشفا انه كان يستهدف المركز البريطاني للمراقبة عند الحدود واضطر لقتال الجيش اللبناني، بحسب تغريدة له على مواقع التواصل الاجتماعي.
هكذا تبقى «الالغاز» بيد السلطات اللبنانية العسكرية وسط تناقض المعلومات. الاكيد الوحيد تقول المصادر، ان السجينتين دخلتا في دائرة المفاوضات لتكونا جزءاً اكيداً في صفقة التبادل مع العسكريين اللبنانيين المحتجزين لدى «النصرة» و«داعش» وان حظوظ اخراج اكثر العسكريين أحياء او كلهم باتت أكبر اليوم من خلال صفقة تبادل تعزز موقف الدولة اللبنانية خصوصاً ان لدى الجهاديين حساسية حيال التمسك باطلاق سراح سجنائهم وعلى الاخص سجيناتهم، اما اذا كانت ابنة البغدادي ضمن المحتجزين فان حظوظ التفاوض ارتفعت اكثر ومن الممكن ان تشمل صفقة تبادل مع رهائن غربيين يكون للبنان حصة الاسد فيها، رغم رفض قيادة الجيش المبطن لاستخدام النساء والاطفال في اي عملية ابتزاز، في حال ثبت عدم تورطهم ، بحسب مصادر عسكرية اذ لا من شيم الجيش ولا عاداته هكذا تصرفات مرجعة المشككين الى محطة اخراج عائلات ارهابيي نهر البارد من المخيم، واضعة الملف في عهدة السلطة السياسية صاحبة القرار النهائي.