«الانتفاضة الفردية» تجمع الداخل والشتات.. وتُرعب الإسرائيليين
هل يتوحّد الفلسطينيون على طاولة حوار لبنانية؟
لا يمكن وضع الخضوع الأخير لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، متعهداً منع غير المسلمين من الصلاة في المسجد الأقصى، مثلما لا يمكن تصنيف تأدية آلاف الفلسطينيين، صلاة الجمعة الاخيرة، في الأقصى، بعد رفع سلطات الاحتلال الاسرائيلي القيود على دخول المسجد، سوى في إطار الإنجاز الفلسطيني بعد انتفاضة شعبية عارمة على محاولة التقسيم الزماني والمكاني للأقصى.
لا مكان للوهم لدى الفلسطينيين. هم يزهون بالإنجاز، لكن الطريق لا تزال طويلة أمامهم. الانتفاضة لم تبلغ الشهر، وهم يدركون أهمية تراكم الإنجازات في سبيل الوصول الى هدفهم المتمثل في التحرير وإقامة دولتهم السيدة والمستقلة وعودة اللاجئين من الشتات.
أهم ما جاءت به هذه الانتفاضة كان في إطلاق الفلسطينيين ما يُسمّى بـ «آلية عمل الانتفاضة الفردية». أي ان عاتق الثورة يقع على الفرد الفلسطيني، ليس على حزب أو فصيل أو تجمع، بل على عاتق الانسان الفلسطيني الذي لن يقبل باختزال الانتفاضة أو سرقتها.
ويقول متابعون للوضع في الأراضي الفلسطينية، إن الانتفاضة جاءت بإيجابية كبرى على مستوى بعث الأمل لدى الشارع الفلسطيني الذي هبّ للتصدي للانتهاكات بحق المسجد الأقصى، وهو بذلك أشعل انتفاضة عارمة في سبيل هدفه الدائم بالتحرير.
لكنّ ثمة تحدّياً أساسياً أمام الفلسطينيين، حسب هؤلاء، يتمثل في إعاقة الالتفاف على الانتفاضة، من ناحية، وإجراء حوار فلسطيني شامل بين مختلف القوى، للتوافق على برنامج وطني مشترك في سبيل حماية الانتفاضة وحفظ التضحيات التي قدّمت.
ويبدو أن موضوع الحوار بين القوى الفلسطينية، صار متقدماً جداً في حسابات معظم مكونات الواقع الفلسطيني، وقد يكون لبنان ساحة لذلك الحوار بعد أن أبدى رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري استعداده مراراً وتكراراً لاستضافة طاولة حوار بين القوى الفلسطينية.
يأتي هذا الهدف في ظل صعوبة الاتفاق الفلسطيني على هدف موحّد من وراء انتفاضة الشعب الفلسطيني، طبعاً اذا ما استثنينا هدف تحرير الأرض، ذلك أن الانتفاضة لا يقودها فصيل بذاته، بل إنها تأتي في إطار الهبة الشعبية العارمة، ذات الوقود الشبابي في الأساس، الذي نشأ وترعرع بعد توقيع اتفاق أوسلو العام 1993.
من المفارقات اليوم أن يشكل التطرف الإسرائيلي دفقاً للهبّة الشعبية الفلسطينية، اذ ان خضوع رئيس الوزراء الإسرائيلي لليمين الإسرائيلي، بات يشكل دفعاً للانتفاضة. ويقول المتابعون للشأن الفلسطيني إن نتنياهو بات أمام خيارات ثلاثة: إما الخضوع للفلسطينيين، وهو أمر مستبعَد. أو محاولة سحق الانتفاضة، وهو خيار مرجَّح، لكن هذا الأمر لا يعني نجاحه. أو قد يدفعه اليأس الى محاولة اجتياح الأراضي الفلسطينية غير الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية المباشرة، وهذ الخيار مستبعَد هو الآخر.
في خضم هذه التطورات، يبدو من غير المناسب للفلسطينيين، حسب المتابعين، اتباع خيار المواجهة المسلحة مع الإسرائيلي، على غرار ما حصل بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وفصائل المقاومة في مرات عديدة في السنوات الأخيرة، والتي جاءت، برغم البطولات المسلحة والشعبية الفلسطينية، مؤلمة للمجتمع الفلسطيني الذي دفع دماً غزيراً وخسائر مادية، لا يبدو أن فصائل المقاومة تود أن يذوق الشعب الفلسطيني مرارة مذاقها من جديد.
من هنا، يشدد الفلسطينيون على أهمية «مدنية» و «سلمية» الانتفاضة، مع التذكير بأن العمليات البطولية التي نفذت وأدت الى قتل مستوطنين وأفراد من جيش الاحتلال الإسرائيلي، سواء عبر عمليات الطعن، أو الدهس، أو حتى إطلاق النار، يمكن وضعها في إطار «المشروع الثوروي» الفلسطيني الجديد. اليوم، بات الفرد الفلسطيني هو مَن يمتلك قرار الهجوم، ونوعيته، في إطار «عقلية ثقافية وفكرية» تكونت تكوّناً تراكمياً في السنوات الأخيرة، لم تشكل سوى إرهاصات لما حدث في الهبّة الشعبية الأخيرة.
ويقول هؤلاء المتابعون إن واجب الفلسطينيين اليوم يتمثل في:
أولاً، استكمال السياق الثوروي التاريخي الطبيعي لهذا الشعب المقاوم.
ثانياً، في توحّد الفلسطينيين، بفئاتهم كافة، حول هدف التحرير الوطني.
ثالثاً، في دعم الانتفاضة في سبيل تواصل جذوتها لكي تدفع المشروع الفلسطيني الى الأمام.
رابعاً، عبر حماية الانتفاضة من أي محاولات لاختزالها وتطويقها وحتى سرقتها.
خامساً، بإعادة الاعتبار لوحدة الشعب الفلسطيني، ليس في الداخل فقط، بل أيضاً في الخارج.
سادساً، في توفير الدفع للدعم الدولي للقضية الفلسطينية.
في المقابل، يؤكد هؤلاء أن «استراتيجية الأمن» للاحتلال الإسرائيلي قد باءت بالفشل، وما الدليل على ذلك سوى حالة الرعب الحاصلة في المجتمع الإسرائيلي في ظل ضرب هيبة الجيش «الذي لا يقهر».
.. وفي الخلاصة، يشير هؤلاء الى أنه لا يمكن فصل الانتفاضة الحالية عن السياق الطبيعي للنضال الفلسطيني منذ أكثر من قرن. كما أنه من غير الممكن تجزئة ما يحصل في إطاره الزماني، ذلك أن محطات كثيرة في التاريخ الفلسطيني شهدت انتفاضات هائلة، اعتمد خلالها الفلسطينيون على سواعدهم فقط، بينما هم يأملون اليوم من العرب والمسلمين الوقوف معهم في نضالهم، ودعمهم بمختلف الأشكال، في ظل وضع عربي مأساوي.