IMLebanon

هل المقعد النيابي أهمّ من الكيان اللبناني؟

 

 

على فترة أقلّ من 40 يومًا من الإنتخابات النيابية، بدأ الوضع المالي للدوّلة اللبنانية يدخل في مزايدات أهل السلطة كافة. هذه المزايدات وإن كانت تعكس واقعًا موجودًا إلا أنها ستأخذ البلد إلى حالٍ من الذعر لا يستطيع أحد ضمان نتائجه.

ليس بجديد القول أن الأرقام المالية والمؤشرات الإقتصادية في لبنان كلّها أرقام سيئة وتُنذر بتدهور مُستمر للوضع المالي منذ الحرب الأهلية وحتى يومنا هذا. حتى الأعوام التي كان فيها النمو الإقتصادي يوازي الـ 9%، لا يُمكن حسبانها أيام مجد نظرًا إلى تزايد العجز ومعه الدين العام في تلك الفترة.

الإنتقادات التي توجّه إلى السلطة ليست بجديدة فعمرها عشرات السنوات وهي نتاج الحرب الأهلية وما فرضته من تهاون في المحاسبة حفاظًا على السلم الأهلي. الفارق الوحيد الذي يُمكن ذكره هو تردّي الأرقام التي تتعاظم مع تعاظم حجم الإقتصاد.

هذه المُقدّمة لا تهدف أبدًا إلى التخفيف من سوء الوضع، بل للقول أن هناك إصلاحات كان ينبغي القيام بها منذ عشرات السنين ولم تقم بها السلطة الحاكمة. واليوم أصبح هناك ظروف قد تسمح بتغيير المنهجية المُتبعة من قبل السلطة السياسية في إدارة الشأن العام المالي والإقتصادي.

الوضع السياسي والأمني

اللافت في الأمر أن عدوان تموز 2006، أسّس لمنهجية معينة في الادارة المالية للدولة اللبنانية مبنية على الإنفاق من إعتمادات من خارج الموازنة (في غياب هذه الأخيرة) أدّت الى ضرب المالية العامة. وما نحصده اليوم ما هو إلا نتاج تراكمي لهذه المنهجية.

اليوم، أخذ الإنتظام المؤسساتي بسلوك الطريق الصحيح وهذا ما أثبتته القوانين التي تمّ التصويت عليها العام الماضي وعلى رأسها موازنة العام 2017. وعلى الرغم من العيوب التي شابت هذه الموازنة، إلا أن وجودها في حدّ ذاته له أهميّة كبيرة أقلّه إحترامًا للدستور اللبناني الذي يفرض وجود موازنة.

الضغط الدولي لإجراء الإنتخابات في موعدها وإقرار موازنة العام 2018 قبل الذهاب إلى سيدر 1، أعطى مفعوله بدون أدنى شك. فالموازنات العامّة أصبحت تُقرّ في أوقات قياسية لا تتعدّى الأسابيع وهذا إن دلّ على شيء يدلّ على أن غياب الموازنات من العام 2005 إلى العام 2016 سببه سياسي بحت كما أن هذه الموازنات لا تحوي على خطط إقتصادية.

الموازنة عبارة عن مستند يُعطي من خلاله مجلس النواب الحكومة سقفا للإنفاق، ومع قطع الحساب يُصبح هذا الثنائي الأداة الوحيدة التي يمتلكها مجلس النواب لمراقبة مدى إلتزام الحكومة بسقف الإنفاق.

كما تُعتبر الموازنة الأداة الأساسية لتطبيق السياسة الإقتصادية للحكومة ومن دونها لا يُمكن تطبيق أي سياسية إن من ناحية الإنماء وتضخيم الإقتصاد أو من ناحية ضبط وترشيد الإنفاق. وبالتالي، فإن الموازنة أداة تُساعد في حلّ مُشكلة العجز ومحاربة الهدر عبر تنفيذ إجراءات تتمّ مراقبتها من خلال الموازنة.

أضف إلى ذلك، الموازنة هي مُستند أساسي تعتمده المنظمات الدولية والمجتمع الدولي لقياس مدى إنضباط الدولة المالي وبالتالي تُقرّر على أساسه إذا كان في الإمكان دعم الدولة ماليًا أو لا. وبالتالي فإن غياب الموازنة يعني سقوط الدولة على الساحة الدولية.

مزايدات ليست في مكانها

شاءت الظروف (أو لربما هكذا أرادها البعض) أن تسبق مؤتمر سيدر 1 الإنتخابات النيابية ببضعة أسابيع، وأن هذا المؤتمر يفرض إقرار موازنة. لذا ارتفعت وتيرة المزايدات من قبل الأحزاب والمُرشحين بشكل غير مقبول.

هذه المزايدات في مُعظمها تنمّ عن معرفة سطحية بوضعية المال العام، وجهل كامل للواقع الإقتصادي. وبملاحظة تصاريح المعنيين، نرى أن مُعظم هذه التصاريح هي تكرار لأمور مكتوبة في الصحافة ولا يوجدّ فيها أي تحليل إقتصادي أو مالي مبني على نظرية علمية.

القول أن البلد مُفلسّ هو غير واقعي لأن كلمة «إفلاس» في لغة الأسواق تعني التوقف عن دفعّ المستحقات المالية أكان بسبب عدم وجود المال أو بقرار عدم دفع هذه المُستحقات من السلطة. ولبنان لا تنطبق عليه أي من هاتين الحالتين، لذا القول أن لبنان بلد مُفلس لا ينطبق على الواقع.

تغيير المنهجية

إن إدارة لبنان المالية والإقتصادية الحالية، لا تتلاءم والواقع المالي والإقتصادي، لذا المطلوب من السلطة تغيير منهجيتها. ونرى أن إقرار موازنة العام 2018 على الرغم من العيوب التي تطالها هي خطوة في إتجاه تغيير المنهجية والمفروض الإستمرار في إصلاحات هيكلية أصبحت على لسان الجميع (التوظيف العشوائي، الكهرباء، محاربة الفساد والهدر…) خصوصًا بعد إنتهاء الإنتخابات النيابية.

وتُعتبر مدّة تشكيل حكومة ما بعد الإنتخابات مؤشّرا جدّيا عن مصداقية النوايا الحسنة التي أظهرتها مُختلف الأحزاب السياسية في حملاتها الإنتخابية. وبالتالي فإن مدة تشكيل تزيد عن الشهرين ستكون مؤشرا سلبيا.

الوضع النقدي

من المعروف أن وضع مالي عام سيء يؤثّر حكما على سعر صرف العملة، إلا أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يتربّع على إحتياطي يفوق الـ 66 مليار دولار أميركي كفيل بردع أي هزّة (مهما كانت قويّة) ضدّ الليرة اللبنانية. لذا فليطمئن الجميع، الدولار الأميركي باقٍ على سعر 1507.5 ليرة لبنانية.

سيدر 1

دخل مؤتمر سيدر 1 كالعديد من الملفات البازار السياسي. وإذا كان البعض يرى في هذا المؤتمر زيادة في الدين العام، إلا أن الواقع يُمكن رؤيته بمنظار مُختلف:

أولًا – إن الأموال التي ستدخل لتمويل مشاريع إستثمارية في لبنان ستؤدّي إلى نسبة نمو 1% لكل مليار دولار إستثمارات. أضف إلى ذلك حجم فرص العمل التي ستخلقها هذه المشاريع (عمال، مكاتب دراسات، مكاتب محاماة، قطاعات داعمة….)، وبالتالي فإن نسبة النمو سترتفع حكمًا في حال تمّ توظيف لبنانيين في هذه الأعمال مما سيزيد من الإستهلاك ومعه النمو.

ثانيًا – إن الأموال التي ستدخل إلى لبنان ستكون بالعملات الصعبة وهذا الأمر سيؤدي ميكانيكيًا إلى دعم الليرة اللبنانية. وبالتالي سيُشكّل هذا الدعم المالي دعمًا قويًا لليرة اللبنانية في ظل الحملة الإفترائية التي يتبعها البعض للنيل من العملة الوطنية.

ثالثًا – إن بدء المشاريع سيؤدّي حكمًا إلى تفعيل الشراكة بين الدولة اللبنانية وبين القطاع الخاص، الأمر الذي قد ينسحب على مشاريع أخرى خارج نطاق سيدر 1. وهذا يعني مزيدا من الإستثمارات ومزيدا من فرص العمل.

رابعًا – إن المنصّة الإلكترونية التي يسعى حاكم مصرف لبنان إلى إنشائها ستُشكّل نقطة تحوّل في تاريخ الإقتصاد اللبناني حيث ستتغيّر طريقة التمويل لتصبح من الأسواق مباشرة بدل المرور الإلزامي بالمصارف وما يواكب ذلك من تعقيدات. هذا الواقع هو واقع الإقتصادات الحديثة وهذا ما يسعى إليه سلامة من خلال طرحه للمنصة الإلكترونية.

بالطبع كل ما تقدمنا به لا يُمكن أن يُطبقّ من دون إلتزام صريح وواضح من قبل الطبقة السياسية التي ستخرج منها الحكومة.

في الختام، لا يسعنا القول إلا أن الإنتقاد في هذه المرحلة لا يُمكن إلا أن يدخل ضمن المزايدات الإنتخابية، وبالتالي المطلوب بدل الإنتقادات، إطلاق طروحات التي قد تُساعد لبنان على النهوض لأن العكس قد يخلق حالة من الذعر لا أحد يُمكن أن يضمن نتائجها. فهل المقعد النيابي أهمّ من الكيان اللبناني؟