بين الشارع ومؤتمر سيدر والارقام، وصلت موازنة 2019 الى خواتيمها سواء كانت مرضية او لا تعجب من طالب باصلاحات افضل، وقد عكست المناقشات الحكومية حجم التباين بين المكونات السياسية داخل الحكومة وطريقة مقاربتها للاصلاحات الاقتصادية والمالية والنقدية ولمكافحة الفساد ووقف الهدر واصلاح الادارة.ويمكن القول ان الحكومة نجحت في انجاز الموازنة، لكن الحماية السياسية للقطاع العام والموانع التي وضعت في وجه اصلاحات في مواقع معينة حالت دون تحقيق وصدور الاجراءات الفعالة.
عدا ذلك، فان كل فريق سياسي حاول ان يثبت انه أم الصبي وان له الكلمة الفصل في انجاز الموازنة وهذا ما عرض التضامن الوزاري لاكثر من هزة خلال المناقشات التي امتدت لستة عشر جلسة في غضون الشهر الواحد.
يقال عن موازنة 2019 انها موازنة تقشفت من جيوب الفقراء وجباية الضرائب في غير محلها الصحيح وموازنة الجباية بعدما خرجت النصوص عن مقترحات الموازنة ، ولم تلامس الاصلاحات المنشودة حيث كان الهم الاكبر لها تخفيض العجز ايفاء لمقررات سيدر وطلب القوى المانحة وان لا يتكرر نموذج اليونان لبنانيا بعد سقوط اليونان في الازمة قبل سنوات وحيث كانت ظروفها اشبه بالظروف السائدة في لبنان اليوم. ولكن هل فعلا ستكون موازنة 2019 هي طريق الخلاص للازمة الاقتصادية؟ وهل منعت انهيار الدولة وعدم تكرار ازمة الانهيار المالي الذي حصل في اليونان؟
هناك وجهتا نظر تلخصان واقع الموازنة الحالية، واحدة بنظرة تفاؤلية تعتبر ان الموازنة الحالية هي افضل ما يمكن فعله لخفض العجز في ظل الهبات الاحتجاجية والاحتجاجات التي قامت ضد الاقتطاع من الرواتب للمتقاعدين والقطاع العام، وبين من يعتبر ان الحكومة أخفقت في وضع موازنة تراعي الاصلاحات، فجرى الهروب من رواتب السلطة السياسية والالتفاف على خدمة الدين العام والتلزيمات الكبيرة وحسم رواتب القطاع العام ولم تلامس ملف الجمعيات كما يفترض اصول التخفيض وملف الايجارات وتخفيض التجهيزات التي منحت للادارات والوزارات بالـ400 مليار.
بنظر اقتصاديين، فان الظروف التي اوصلت اليونان الى الانهيار هي نفسها التي تحصل في لبنان حيث وصلت الفوائد على الدين العام الى ارقام عالية، اضافة الى الفساد والتهرب الجمركي والضريبي والمحسوبيات والهدر، والغت ارقام العجز في اليونان 13 بالمئة بينما في لبنان 1 بالمئة، وتأثر النمو الاقتصادي وتراكم الدين العام، لكن اليونان استطاعت ان تنجز موازنة خالية من الشوائب متقشفة من كل الجوانب فأجرت مراجعة شاملة لمكامن الهدر في الدولة والمزاريب و طبقت النصائح الدولية وما يريده المجتمع الاوروبي، ولم تنجو من الكارثة الاقتصادية الا بالاصلاحات الاقتصادية والخيارات الصعبة، فانجزت الموازنة على وقع التظاهرات في الشارع فيما منعت التظاهرات في لبنان من حصول تخفيض لرواتب القطاع العام والمس بالمصارف، وعليه تعتبر اوساط سياسية ان الموازنة لم تلحظ الموازية بنودا مهمة بما خص وقف التهرب الضريبي والجمركي واقتضى الامر بجباية المال من تسوية الاملاك البحرية وتركت الاملاك النهرية وملف التوظيف العشوائي الذي تفاقم في السنوات الماضية بدون معالجة لايجاد حلول لموظفين لا يعملون في قطاعات الدولة.
اقتصر التقشف على ايجاد رقم لتقديمه الى الدول المانحة في سيدر لتسيل الاموال اما الاصلاحات الفعلية التي تدر اموالا كثيرة، فظهر انها محمية من السياسيين ولم تقترب منها الحكومة، لم تخل الموازنة برأي المنتقدين من حيل ضريبية منها اعفاءات تفسح المجال لهروب الشركات الكبرى من الغرامات. موازنة 2019 هي بدون شك اصلاحية من اي موازنة سبقتها لكن البنود الاصلاحية فيها متواضعة جدا تفاديا لعدم حصول التصادم مع النافذين والقطاع العام والعسكريين المتقاعدين في الشارع. الموازنة ستمر بدون شك في مجلس النواب، لكن لا شيء يمنع من ان يعود الشارع الى التظاهر تحت وطأة الضرائب المباشرة وغير المباشرة.