هل يمكن القول إن التدخل العسكري الروسي في سوريا شبيه بالتدخل العسكري السوري في لبنان؟ فالرئيس بشار الاسد هو الذي طلب النجدة عندما صار خطر تنظيم “داعش” واخواته يهدد مصيره ومصير نظامه. والرئيس سليمان فرنجيه الذي طلب في الماضي مع قادة مسيحيين دخول القوات السورية الى لبنان لرد هجمات الفصائل الفلسطينية ومن معها على مدن وقرى في جبل لبنان بحيث باتت معرضة للسقوط عسكرياً اذا لم يتم التصدي لها بسرعة. وبعدما وضعت الولايات المتحدة الاميركية القادة المسيحيين امام خيارات صعبة: إما القبول بتدخل القوات السورية، وإما الاستسلام، وإما إحضار البواخر الاميركية لنقل المسيحيين الى خارج لبنان… فكان لا بد من اختيار التدخل العسكري السوري الذي استقبلته مناطق مسيحية بالأرز والهتاف.
وما ان دخلت القوات السورية الى لبنان حتى قصفت مواقع المتقاتلين مسيحيين ومسلمين توصلاً الى وقف اقتتالهم، في حين كان فريق من المسيحيين يظن وهو يرحب بهذه القوات انها ستضرب خصمهم المسلم والفلسطيني. فكانت نتيجة هذا التدخل العسكري السوري ليس حماية لمسيحيين أو مسلمين، انما حماية لمصالح سوريا في لبنان وسياستها في المنطقة بموافقة عربية ودولية وعدم اعتراض اسرائيلي بعدما نالت تل ابيب حصتها من هذا التدخل باخراج الفلسطينيين المسلحين من لبنان الى تونس علّها ترتاح من عملياتهم الفدائية على الحدود اللبنانية المشتركة وداخل اسرائيل. وحدد اتفاق الطائف مدة سنتين لاعادة انتشار القوات السورية في منطقة البقاع، بحيث يتم خلالها وقف اطلاق النار بين الاطراف كافة تنفيذاً لقرار مجلس جامعة الدول العربية الصادر في 27 نيسان 1989، وتشكيل لجنة من عاهل المملكة المغربية ومن عاهل المملكة العربية السعودية والرئيس الجزائري لحل الازمة اللبنانية وتوفير المناخ الملائم لدعوة اعضاء مجلس النواب اللبناني الى عقد مؤتمر حتى خارج لبنان عند الضرورة لمناقشة الاصلاحات التي يمكن اعتبارها اساساً صالحاً للحوار والوفاق الوطني، وبعد إقرارها والمصادقة عليها ينتخب مجلس النواب رئيس الجمهورية الذي يشكل حكومة وفاق وطني تلتزم وثيقة الاصلاحات السياسية ودعم الحكومة في اتخاذ الاجراءات التي تراها ضرورية لممارسة سيادتها الكاملة على الاراضي اللبنانية، وان تنهي القوات السورية مهماتها الامنية في لبنان خلال مدة اقصاها سنتان، وتتسلم قوات الشرعية اللبنانية مسؤولية الأمن بالكامل، وان تعيد تمركزها في المناطق المحددة في الاتفاق (البقاع الغربي – ضهر البيدر – خط حمانا – المديرج – عين دارة)، واستعادة سلطة الدولة حتى الحدود اللبنانية المعترف بها دولياً، ووضع خطة امنية مفصلة مدتها سنة هدفها بسط سلطة الدولة اللبنانية تدريجاً على كامل الاراضي بواسطة قواتها الذاتية بعد حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم اسلحتها الى الدولة خلال ستة أشهر، وفتح باب التطوع لجميع اللبنانيين في قوى الامن الداخلي، وتعزيز القوات المسلحة وتدريبها لتكون قادرة على مواجهة العدوان الاسرائيلي.
لكن القوات السورية لم تخرج من لبنان إلا بعد 30 عاماً مخالفة اتفاق الطائف، وبعد انتفاضة شعبية عارمة عرفت بـ”ثورة الارز”، ولم تحلّ كل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، ولا مكنت قوات الدولة الذاتية من بسط سلطتها وسيادتها على كل اراضيها، ولا تم الانتشار على طول الحدود مع اسرائيل لمواجهة اي عدوان.
فهل تكون نتائج التدخل العسكري الروسي في سوريا شبيهة بنتائج التدخل العسكري السوري في لبنان الذي اخضعه لوصاية دامت 30 عاماً، وتولت سوريا اختيار رؤساء الجمهورية ورؤساء الحكومات والوزراء ووضع قوانين انتخابية لمصلحة المرشحين المؤيدين لاستمرار هذه الوصاية، ما يجعل سوريا من حصة روسيا في عملية تقاسم النفوذ في المنطقة؟
لقد نُقل عن مصدر “في الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية” ان روسيا تخطط لاحتلال بعيد المدى في سوريا، سواء لمحاولة تقسيمها أو لمنع تقسيمها، خصوصاً بعد قيام روسيا بنقل مزيد من الجنود والعتاد الحربي الى قواعد ومطارات جرى احتلالها وسط سوريا، مع قول روسيا ان تدخلها مرهون بالحرب على الارهاب، وحدَّد مسؤولون عسكريون فيها مدة اربعة أشهر لانهاء المهمة.
لكن ثمة من يرى أن وضع روسيا في سوريا هو غير وضع سوريا عندما تدخلت عسكرياً في لبنان، وكان تدخلها يحظى بتأييد عربي واقليمي ودولي. فهل يحتاج حل الازمة في سوريا الى ما يشبه اتفاق الطائف الذي توصل الى حل الازمة في لبنان، فيتم اولاً وقف الاقتتال وتمكين اللاجئين السوريين من العودة الى وطنهم ليشاركوا في الانتخابات الرئاسية والنيابية عند اجرائها بعد تشكيل حكومة وفاق وطني تنتقل اليها كل الصلاحيات ولا يعود معها مبرر لبقاء الاسد في الحكم.
الواقع ان اي حل للازمة السورية لا يمكن تنفيذه إلا بعد وقف الاقتتال كما جرى في لبنان، سواء بقوات سورية داخلية او بقوات خارجية.