كان أمراً مثيراً للاهتمام ان يجدد “تيار المستقبل” و”حزب الله” في آخر جلسة حوار بينهما مساء الخميس الماضي في عين التينة التزامهما “استمرار مسار الحوار بينهما” فحسب ما ورد في بيانهما المشترك، وهذا واقع ينطوي على مؤشرات ودلائل عدة تندرج تحت عنوان عريض هو انه لا بد لهما من “الجهاد” للحفاظ على هذا المسار.
فالمعلوم ان هذه الجلسة الحوارية انعقدت بعد ساعات على يوم حكومي ماراتوني كان الطرفان خلاله على طرفي نقيض تماما. ففيما كان وزيرا الحزب يقفان وراء وزراء “تكتل التغيير والاصلاح”، كان وزراء “المستقبل” يخوضون بشق النفس غمار معركة مضادة في وجه هجمة شرسة من هجمات العماد ميشال عون.
ولا ريب في ان الصراع داخل مجلس الوزراء استحال صراعا وجوديا بالنسبة الى جميع المشاركين فيه، يرتبط بأصل النظام السياسي وبالنظرة الى موقع الرئاستين الاولى والثالثة والصلاحيات الضائعة وسط بحر من الخلافات والاجتهادات الدستورية والقانونية.
وقبل نحو 48 ساعة من الجلسة الحوارية كانت تداعيات اختبار آخر لهذا الحوار ما زالت تتوالى فصولاً وهو اختبار حادثة السعديات. والعلامة الفارقة لهذه الحادثة انها بصورة من الصور الصدام الامني المباشر بين الطرفين منذ انطلاق صافرة الحوار في الشهر الاخير من العام الماضي وتستخدم فيه هذه الكمية من الرصاص طوال أكثر من 3 ساعات، فضلاً عن كونه وقع في ميدان حساس ومتشابك جغرافياً، فهو جزء من الطريق الساحلي الى الجنوب وفي منطقة الشوف حيث تداخل النفوذ بين “المستقبل” والحزب التقدمي الاشتراكي، فضلاً عن ان أرض هذا الميدان هي ضمن النطاق الجغرافي لبلدية مسيحية صرفة وفيها تجمع سكاني شيعي متنام لا يستهان به.
جلسة الحوار اياها انعقدت ايضا على مسافة ايام من اختبار سياسي آخر هو حادثة شريط التعذيب في سجن رومية والذي سرب عن عمد في لحظة سياسية ذات ابعاد مكثفة. ولم يعد امرا مجهولا ان وزير العدل “المستقبلي” اشرف ريفي سارع الى رمي تهمة ترويج هذا الشريط المدوي في وجه “حزب الله” وهو اتهام وصفه الوزير “المستقبلي” الآخر نهاد المشنوق بانه سياسي محض، فيما اعتبره معنيون احدى المحاولات التراكمية الرامية الى عرقلة الحوار وفرط عقده.
انها إذاً ثلاثة تحديات واختبارات متتالية ومتقاربة زمنياً تضاف الى سيل التحديات التي واجهها هذا الحوار منذ انطلاقه قبل نحو سبعة أشهر، ومنها اختبار التطورات الاقليمية وتضارب الرؤى حولها وفي المقدمة الحادث اليمني، وبالتحديد يوم وقف الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله ليفتح ابواب صراع مكشوف مع الرياض ربما كان الاول والاشرس من نوعه منذ زمن بعيد.
وبناء عليه يأتي اعلان الطرفين في اعقاب جلستهما الحوارية الرابعة عشرة عزمهما على المضي به قدما وتحديد موعد جديد للجلسة الخامسة عشرة، منطويا على دلالات عدة ابرزها:
– ان الطرفين ما فتئا يجدان في الحوار المحاصر أصلاً بجملة شكوك واتهامات منها انه شكل بلا مضمون ومسار بلا نتيجة، حاجة ضرورية لا يمكن التحلل منه او مبارحته.
– ان التحديات المحلية وخصوصا تلك ذات الطبيعة الامنية والخشية من انفلات حبل الامن تزيد ارادة الطرفين على نفخ الروح في هذا الحوار الذي يضعه البعض في غرفة العناية الفائقة. فلم يعد خافيا ان حادثة السعديات اقتضت معالجة على اعلى المستويات من قيادتي الطرفين بغية تطويقها، خصوصاً انهما افصحا عن خشية تتملكهما من دخول عناصر من مجموعات ارهابية على خط الاشكال بغية تضخيمه واستغلاله.
– وكان لافتا ايضا ان “تيار المستقبل” حرص على وضع الحادث في حدوده رغم ان اعلامه عاد الى نغمة التهجم على “سرايا المقاومة” وتحميلها المسؤولية مجدداً مطالبة الحزب باعادة النظر في وضعها وذلك لتصفية حساب قديم معها ومع وجودها اصلا.
– ان دوائر معنية في “حزب الله” تنطلق في تقويمها لما حصل في السعديات وقبله شريط التعذيب المسرّب على اساس انه تجسيد عملي لصراعات وتباينات تعتمل منذ زمن داخل “تيار المستقبل” حيال الكثير من القضايا الظرفية والاستراتيجية، فهي تأتي نتيجة غياب القائد الفعلي لهذا التنظيم وسعيه الى تكريس حضور من طبيعة معينة من جهة، وصراع بين نظرتين داخل هذا التيار ازاء مستقبل الحوار والعلاقة عموماً مع الحزب، اذ لاتزال هناك شريحة داخل قيادة التيار وشريحة في قاعدته تطمحان للاجهاز على الحوار واعادة عجلة الامور الى مرحلة ما قبله.
واذا كان الفريق “المستقبلي” الداعي الى الحوار قد نجح حتى الآن في كسب الرهان وفي كسب جولات التحدي والاختبار المتتالية، فلا ريب ان “حزب الله” يتعاطى مع حواره الصعب مع “المستقبل” بعقل بارد ونفس طويل لأنه يقاربه من ضمن قراءة واسعة للمشهد الاقليمي ولدوره هو في خضم هذا المشهد المتصف بالتصعيد والتوتير. لذا فان الحزب ما فتئ عند قراره من هذا الحوار والقائم على القواعد الآتية:
– طاولة الحوار حاجة وضرورة، وهو باق فيها الى ان يقرر الفريق الآخر مغادرتها، ولن يكون سباقا في الخروج منها في يوم من الايام.
– في سبيل الحوار يتعين على الحزب وجمهوره ان يتحمل تبعات معينة، منها الهجمات المتكررة من الفريق “المستقبلي” الباحث بدأب عن فرصة للتخلص من موجبات هذا الحوار.
– طاولة الحوار والحكومة محطتا المساكنة مع الفريق الآخر، ويتعين المحافظة عليهما قدر الامكان.