«حادث» باريس السياسي كشف عدم نضوج أجواء التواصل مع فرنجية
هل من ضمانات تكفل الإستقرار السياسي والأمني إذا وصل رئيس من قوى 8 آذار؟
كيف يمكن تقييم «الحدث» السياسي الذي وقع في باريس بين النائب سليمان فرنجية والرئيس سعد الحريري، وهذه الجلبة والضجة حول حصول اللقاء من عدمه.. ولماذا الاستغراب والدهشة إذا كان الاجتماع قد حصل، طالما أن قناة التواصل مفتوحة بين الرجلين؟
إلا أن المسارعة للنفي المتبادل أعطت مؤشرا إلى عدم نضوج الأجواء لحصول مثل هذا اللقاء، فالمسألة هنا، تتعلق بطبيعة ما جرى بحثه، أو سيجري النقاش حوله.
وهل صحيح أن هناك تفاهما بين الحريري وفرنجية على اختراق الجمود السياسي بالتفاهم على إيصال فرنجية إلى رئاسة الجمهورية، على أن تكون الحكومة المقبلة برئاسة الحريري؟
مقدّمات تحريك الجمود
لقد أصبحت السلة المتكاملة للحل السياسي حديث الساعة، بعد أن انطلق النقاش حولها من كلام أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله وما تلاه من موقف إيجابي لاقاه به الرئيس الحريري، مبديا الاستعداد للبحث في مقدمات وسُبُل الخروج من الأزمة الخطرة التي باتت تهدّد قواعد الدولة ومؤسّساتها الدستورية وانتظام الحياة العامة في البلد.
ولا يمكن ونحن نقارب هذا الطرح، أنْ نتجاهل أنّ التفسّخ السياسي الذي وصلت إليه حال الدولة بسبب ممارسات «حزب الله» التعطيلية، أدى إلى عودة التفسخ الأمني، فعادت العمليات التفجيرية وكان تفجير برج البراجنة، الذي حمل جملة مؤشرات شديدة الخطورة، أهمها أن تنظيم «الدولة الإسلامية» قد فتح المواجهة مع الحزب، وقرّر الانتقال بعمله في لبنان من اعتباره «أرض نُصرة» إلى اعتباره «أرض جهاد»، وكان تفجير الضاحية أول عمل «رسمي» لهذا التنظيم في بلاد الأرز..
هذا الواقع، هو الذي دفع «حزب الله» إلى تقديم التنازلات المبدئية، والدعوة إلى التسوية الشاملة.
وتُبدي الأوساط الإسلامية المتابعة لهذه الملفات خشيتها من أن يكرّر «حزب الله» فصوله الانقلابية، بعد أن يحقـّق أهدافه في عملية القضم المرحلية التي شاء أن يقوم بها حتى يحين الانقلاب التالي.
وتستعرض الأوساط عينها مسيرة الانقلابات التي قام بها «حزب الله» عند كل محطة ومفترق ومأزق يقع فيه، كان ينحني للعاصفة، ويستغل الظروف ويعود للانقضاض على الدولة وعلى خصومه السياسيين، بوسائل الإكراه السياسي الأمنية والعسكرية.
وبعد سلسلة عمليات التفجير عام 2013 التي أحدثت أضرارا كبيرة في صورة الحزب أمام جمهوره، وأدت إلى «تنازل» حزب الله وتشكلت حكومة المصلحة الوطنية برئاسة تمام سلام، وعندما استنفدت أغراضها قام الحزب بتعريضها للشلل والتقويض.
من هنا، يصبح عرض الأمين العام لـ«حزب الله» بالتسوية عرضا محفوفا بالمخاطر وبالهواجس من تكرار الانقلابات، خاصة أنه يتوقع، وعلى نطاق موثوق أن يعمد الحزب إلى التحرك الميداني لفرض رئيس جمهورية موال له، في حال انسداد الأفق المحلي، إذا ما احتاجت طهران تحريك الملف وفق حسابات الولي الفقيه الإقليمية.
ألغام سلة التسوية
ومن المؤكد أن ملف رئاسة الجمهورية هو الملف الأكثر تعقيدا وإلحاحا، وهو يشكّل وجـه السلة السياسية المطروحة للتفاوض، وفي حين يُظهِر «حزب الله» تمسّكا بالتعطيل عبر تمسّكه بترشيح النائب ميشال عون للرئاسة الأولى، مع إدراكه أن هذا الخيار لا يمتلك أي فرصة للتقدّم، كون عون أحرق كل سفنه وخاض بحر الولاء المطلق للحزب، وكان آخر مواقفه اعتبار التحالف الذي يجمع التيار البرتقالي بحزب ولاية الفقيه في لبنان، أقوى من عواميد بعلبك، وبالتالي، فإن من الصعوبة بمكان أن تقبل قوى 14 آذار البحث في اعتبار عون مرشحا توافقيا يصلح للرئاسة، رغم أنه لا يمكن إنكار حيثيته، بحيث يوجب هذا السياق العودةَ إلى ما قاله نصرالله حول اعتبار العماد عون «ممرا» ملزما للرئاسة، والفارق كبير بين المرشح المحسوم، وبين الممرّ، الذي يحوّل الحليفَ البرتقالي إلى أحد صُنـّاع الرئيس المحليين الفاعلين.
في هذه الأجواء، ستصرّ قوى 14 آذار على طرح مرشح توافقي يمكن أن يشكل جامعا مشتركا للقوى السياسية، ويعيد ترميم الحياة السياسية وإحياء المؤسسات واستئناف الحياة الدستورية، لكن «حزب الله» يعلن أنه لن يرضى برئيس «لا طعم له ولا لون» وسيتجاوز عون كمرشح رئاسي، ليصل إلى مرشحه الفعلي والحقيقي، وهو النائب سليمان فرنجية.
من المتوقع أنه مع تقدّم التسوية يتوقع أن تسقط أوراق عون الرئاسية تدريجيا، وأن ترتفع أسهم فرنجية كمرشح سيسعى «حزب الله» إلى فرضه باعتبار قبوله تنازلا منه للوصول إلى حل «وسط».
فرنجية: تمايز تحت سقف «الممانعة»
من جهته، تميّز فرنجية خلال الأشهر الفائتة عن مواقف العماد عون، وحرص على الظهور بمظهر الحليف الذي يأخذ قراراته وفق رؤيته الخاصة، فكان أن رفض خيار التظاهر عندما ذهب عون إلى النزول للشارع من أجل استعراض قوته، وللقول بأنّه «الزعيم» الذي يمثّل الشارع المسيحي، وأنه المرشح القوي المطلوب لاحتلال كرسي الرئاسة.
وتعمّد فرنجية تظهير الخلاف مع عون بسبب تفرّد الجنرال في اتخاذ القرارات دون التشاور المطلوب بين حليفين يفترض أن يجمعهما تنسيق وتكامل، لا تفرّد واستلحاق.
كذلك استمر فرنجية في تعزيز العلاقة «العائلية» والشخصية مع رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل، رغم الافتراق السياسي، لكن الجسور باتت سالكة بين الطرفين.
وعلى صعيد العلاقة مع «القوات اللبنانية» استمر فرنجية في سحب فتائل التوتر وبات ينظر إلى المسألة من منظور سياسي أقرب إلى تجاوز الماضي منه إلى الحساسية والتنافر، مع حرص القوات على التوضيح باستمرار وجهة نظرهم في أحداث زغرتا وسياقاتها التي يعتبرون فيها أن الدكتور سمير جعجع كان خارج واقعة اهدن الدموية، وأن الترتيب القيادي حينها يضع «الحكيم» خارج دائرة الاتهام..
أما «تيار المستقبل»، فمن غير المستبعد أن ينظر الرئيس سعد الحريري إلى فرنجية كمرشح «الحدّ من الأضرار»، كما كان سياق أدائه السياسي لمقاربة فصول الأزمة السياسية المتفاقمة، خاصة أن هناك حركة تواصل بين الرئيس الحريري والنائب فرنجية عبر الموفدين، ما يسمح بالاستنتاج أن مستويات البحث بلغت درجات متقدمة من النقاش الرئاسي، على الأقل بالأحرف الأولى.
ترشّح فرنجية في ميزان الصراع
وهنا يجب التوقّف عند أبعاد هذا الخيار في حال شهد تقدما في الأروقة السياسية:
ــ لا يمكن في أي حال من الأحوال، تجاهل مخاطر وصول فرنجية إلى رئاسة الجمهورية، لأنه رغم ليونته السياسية في بعض المحطات، إلا أنه من أعمدة السياسة الأسدية في لبنان، ولا يمكن الرهان عليه كرئيس معتدل، بل إنه مرتبط ارتباطا لا انفكاك عنه، بمحور «الممانعة» وقراراته لا يمكن أن تخرج عن هذه الدائرة، وكل تقييم بعيد عن هذه الحقيقة، يصبح تعاميا غير مفهوم عن المخاطر المنتظرة في حال رست البوصلة الرئاسية على فرنجية.
ــ إن التوازنات القائمة حاليا في البلد تسمح لـ«حزب الله» باستعمال «البلطجة» الأمنية والسياسية لفرض قراراته ومرشحيه – بمن فيهم فرنجية – على اللبنانيين، وما السابع من أيار والقمصان السود عنا ببعيد..
إلا أن خيار «حزب الله» الإنقلابي مرتبط بخطر يُعتبر ناقضا لجنوح الحزب، وهذا المانع الناقض يتمثـّل في إدراك الحزب أن أي محاولة انقلابية تشمل احتلال العاصمة ومناطق أخرى، ستعني تلقائيا فتح كل أبواب التبرير والتهيئة لدخول تنظيم «الدولة الاسلامية» إلى المعادلة اللبنانية، تحت شعار إنقاذ السنة في لبنان، ما سيطيح بكل التوازنات الداخلية، ويُدخل البلد في مرحلة الفوضى الواسعة..
نقطة أخيرة، نعتقد بأنها الأهم في هذه المقاربة، وهي مقاربة واقعية لا يمكن التهرب منها، وتتعلق باحتمال وصول طروحات التفاوض الرئاسي إلى الرسو على النائب سليمان فرنجية.
إن هذا الأمر يتعلق مباشرة بمسار التحوّلات في سوريا، فإذا استطاعت روسيا وإيران أن تمدّد وجود رئيس النظام السوري في المعادلة السورية أشهرا إضافية، ونضجت الطبخة الرئاسية خلالها، فإن وصول فرنجية إلى رئاسة الجمهورية مع استمرار بقاء الأسد في سوريا، سيعتبر هزيمة ساحقة لقوى 14 آذار وحلفائه الإقليميين، وانتصارا وغلبة بائنة لقوى 8 آذار وخطها الدولي والإقليمي.
أما في حال إزاحة الأسد، بأي شكل من الأشكال، من المعادلة السورية، فإن انتخاب فرنجية ساعتها لن يحمل هذا الحجم من المخاطر، لأنه سيُعتبر نوعا من التعويض لفريق 8 آذار بعد خسارة حليفه في دمشق، ولأن سقف فرنجية الإقليمي الأساس، هو سقف سوري، وليس سقفا إيرانيا، رغم تحالفه مع حزب الراية الصفراء في لبنان، وفي حال فقدانه الظهير الأسدي، فإن وجوده في سدة الرئاسة سيكون مخفف الوطأة، إذا ما قرّرت 14 آذار الانصياع مرة أخرى للتسويات المطروحة..
* إعلامي – رئيس هيئة السكينة الإسلامية.