على وقع الإعلان عن إنجازات القضاء على الإرهاب سقط قبل ايام أكثر من 20 قتيلاً من الجيش السوري في مواجهة مع «إرهابيين» في ريف حلب. وهو ما أعقب سلسلة مواجهات بين الجيش ووحدات مدعومة إيرانياً من جهة وأخرى من روسيا، فيما تتحاشى واشنطن مواجهة بين حلفائها الأكراد وأنقرة. فهل هي آخر الحروب عندما تبدأ بين أهل البيت الواحد؟
إذا توقف المراقبون عند الملاحظات التي يجمع عليها كتّاب وخبراء روس وأميركيون وآخرون من جنسيات مختلفة، وتشير الى انّ مسلسل الحروب السورية لم ينته بعد، من الواجب العودة الى الداخل السوري لقراءة التطورات الأمنية والعسكرية. فقبل ايام تحدثت وسائل إعلام عن مواجهات دموية بين وحدات من الجيش السوري وأخرى من «جبهة النصرة» في ريف حماه على وقع الروايات المتداولة عن مواجهات في الداخل بين الجيش السوري من جهة ووحدات ميليشيوية أخرى تدعمها ايران من جهة، وأخرى مدعومة روسياً انتهت الى عدد غير قليل من الضحايا وتبادل السيطرة على قرى ومواقع استراتيجية.
تزامناً، يتحدث تجار وصناعيون ورجال اعمال سوريون عن بناء خطوط تماس جديدة متبادلة في ارياف حمص وحماه وعلى تخوم ادلب، وهي تتبادل على حواجزها المحصّنة المتقابلة فرض «الخوات» من الرسوم والضرائب لتبادل المحاصيل الزراعية والبضائع المهربة في الاتجاهين ومنها الأدوية والمواد الغذائية، عدا عن المحروقات بمقدار محدود جداً نظراً الى حجم الرسوم المفروضة عليها وبلوغها الحدود القصوى في ضوء حاجات المناطق التي يسيطر عليها النظام للمشتقات النفطية والغاز نتيجة الأزمة التي تعيشها بنحو غير مسبوق.
وبمعزل عن الآليات المعتمدة لتبادل المنتجات المختلفة بين مناطق سيطرة النظام وحلفائه من جهة والمناطق الأخرى، ثمّة من يعتقد انّ كل هذه التطورات عكست صورة جديدة لشكل النزاع المتوقع مستقبلاً في البلاد. فالمراقبون يدركون جيداً حجم المتغيرات في هوية المتقاتلين شكلاً وواقعاً. فقد غابت أسماء عدة لمنظمات ومجموعات تحكمت بالحرب طوال السنوات الثماني الماضية، وتغيّر المتقاتلون اكثر من مرة وتبدلت اسماؤهم ومعهم القادة. ولذلك، ليس من السهل إحصاء المجموعات التي خاضت الحروب التي توزعت يوماً على أكثر من 117 جبهة عسكرية في وقت واحد استخدمت فيها مختلف انواع الأسلحة المسموحة والمحظورة دولياً، وتبادلت السيطرة على هذه المنطقة او تلك.
ولمجرد العودة الى الداخل السوري، لا بد من التوقف عند الأنباء التي تحدثت عن مواجهات جديدة بين الجيش السوري وحلفائه من جهة، وبين آخرين منهم من لا يزال يتمتع بالرعاية الروسية والتركية أو الأميركية، وهو ما يوحي أنّ المفاوضات الجارية في اكثر من مؤتمر ولقاء شهدتها عواصم مختلفة من موسكو الى انقرة وطهران وصولاً الى أستانة، لم تنته الى ما يحسم اي من السيناريوهات المتبادلة، لا للمنطقة الآمنة الشمالية، ولا الى تحديد مصير إدلب ومحيطها وريفي حماه وحلب ومشروع نشر الجيش السوري على طول الحدود التركية – السورية.
وأمام هذه الصورة غير الواضحة الى الآن، توقف مراقبون عسكريون امام إعادة التموضع الروسية التي بدأتها القيادة الروسية في بعض المناطق من الساحل السوري الشمالي الى عمق المناطق الأخرى، في وقت تعيد الولايات المتحدة الأميركية من خططها على خلفية تأجيل ما كان قد تقرر لجهة الإنسحاب من الأراضي السورية منذ نهاية العام الماضي، وهو ما يوحي بمعادلة جديدة تستند الى الآتي من السيناريوهات الروسية والأميركية.
– تحاول موسكو الإفادة من الوقت الضائع لإعادة توزيع قواها العسكرية في سوريا مع تحاشي أي مواجهة مباشرة مع ايران على مستويين. أولهما على مستوى إعادة تكوين الألوية السورية الجديدة التي بدأت بتكوينها منذ بداية العام الماضي وإعادة نشرها، فهي التي ستتسلّم أمن المناطق في المقاطعات العسكرية الجديدة التي أنجزت على ما يبدو على قياس المحافظات السورية من جنوبها الى شمالها بما فيها العاصمة دمشق مع استثناءات معدلة في بعض المناطق قياساً على جغرافيتها السياسية والطائفية، ما عدا الساحل السوري الذي ستمسك به قيادة القوات الروسية مباشرة، وما إجراءاتها في قاعدة طرطوس البحرية وقاعدة حميميم الجوية سوى إشارة واضحة لتعزيز سيطرتها المباشرة عليها.
– كشف مسؤولون أميركيون انّ واشنطن عرضت مجدداً على حلفائها في قيادة الحلف الدولي ضرورة تعزيز مراكزها بمزيد من العسكريين والخبراء. وفي الوقت الذي شملت هذه الطلبات نحو 21 دولة حليفة على الأقل، تحدث هؤلاء عن رفض العديد من هذه الدول، ومنها فرنسا وبريطانيا تحديداً. فالهم الأميركي تجاوز قرار الانسحاب من سوريا والعراق، وبات الهَم تجنيب المناطق الشمالية من سوريا أي مواجهة بين الأكراد الذين ينعمون بالدعم الأميركي مع انقرة، بالإضافة الى تخفيف الحصار الذي فرضته السلطات السورية على المناطق المتاخمة لموقع التنف الأميركي في جنوب شرق البلاد ومنها حول مخيم الركبان للنازحين، كذلك على طول الحدود العراقية ـ السورية. وما بين هذه المناطق وجد الأميركيون أمامهم استحقاقاً جديداً ظهر في الأيام القليلة الماضية بتخفيف حال التشنّج الخطيرة بين العرب والأكراد شرق نهر الفرات حول آبار النفط التي وضع الأكراد أيديهم عليها.
وبناء على ما تقدّم، تخلص بعض آراء العسكريين والخبراء الى اعتبار انّ ما يحصل في سوريا بوجوهه المختلفة يعتبر طبيعياً جداً. فالنهايات الحتمية للنزاعات الخارجية على أرض اي دولة انتهت فيها ادوار الحكومة ولا تديرها مؤسسات الدولة الأصلية ستصل بالنتيجة الى مرحلة تقاسم النفوذ قبل بلوغ الحلول السياسية التي ستترجمها، وهو ما يقود الى معادلة أساسها أنّ انهيار «داعش» فتح الحروب الداخلية بين أهل البيت الواحد والبقية تأتي تباعاً.