لا أحد يعرف متى وكيف تتبدل الوظيفة الاقليمية والدولية للحد الأدنى من الاستقرار تحت المظلة المرفوعة فوق لبنان. لكن الأكثرية تتصرف على أساس أن المظلة ثابتة والوظيفة مستمرة، ولو مارسنا كل الأخطاء الممكنة في حق البلد والناس. والبعض يوحي أنه قادر على التحكم بالمتغيرات عبر البراعة في ما يسمى فن ادارة الرياح. واللافت ان اصحاب الاجندات المختلفة في الداخل والخارج يلتقون على شيء واحد لبقاء اللعبة السياسية ولو معطلة: الاتكال على مخزون الصبر لدى الرئيس تمام سلام. وليس ذلك سوى اشارة الى أن مرحلة البؤس السياسي طويلة وهروب من المسؤولية عن مواجهة التحديات واندفاع في ترك الأزمات من دون تسويات.
ذلك ان حكمة تمام بك ليست فرصة مفتوحة لممارسة سياسات الجنون. فماذا تفعل الحكمة عندما يكون الرجل مكبلاً بكل أنواع القيود، والبلد تحت رحمة رجال متهورين؟ وما هذا البلد الذي رأسماله المحلي مع الخارجي المقترض هو العجز عن ادارة ازمة، والمعلق على الصبر والحكمة لدى رئيس حكومة جاء من مدرسة تختلف عن المدرسة التي جاء منها رئيس الوزراء البريطاني وليم غلادستون القائل: إن أول شيء مهم لرئيس الوزراء هو أن يكون جزاراً جيداً.
النفايات التي غطت لبنان وكشفت هزال السلطة أعادت تأكيد أربعة أمور: أولها ان الكلام على صراع المصالح المادية بقي في العموميات من دون الحقائق والأسماء. وثانيها ان مسؤولية الحكومة والحكومات السابقة عن الأزمة التي ذهبنا اليها على موعد معلوم بدت كأنها من صنع مجهول أو من صنع الطبيعة. اذ حتى التأخر في المعالجة رافقه التخبط، لا على طريقة المثل اللاتيني القائل: متأخر، ولكن بجدية. وثالثها ضعف الحس المدني لدى اللبنانيين، بحيث يصعب ان ينزلوا الى الشوارع كشعب دفاعاً عن الصحة والبيئة وجمال لبنان، ويسهل أن يندفع كل فريق الى الشارع من أجل هدف مذهبي أو فئوي. ورابعها ان القيادات مطمئنة الى أن الأنصار لن يخرجوا عن طاعتها ولن يتخلوا عن سياسة العصبيات ولن يحاسبوها بالطبع.
والسؤال ليس إن كان لبنان قد دخل نادي الدول الفاشلة، فهذا لم يعد حديثاً افتراضياً. السؤال هو: هل نحن شعب فاشل في وطن فاشل؟ لماذا ينجح اللبنانيون كأفراد هنا وفي أي بلد في العالم، ويفشلون كشعب وجماعة في بناء دولة؟ وكيف صار وطن الحريات والانفتاح والابداع والعيش المشترك في شرق العصبيات والاستبداد مشكلة لنفسه وأهله، وساحة لصراع الانظمة الشمولية، ومحطة انتظار لصفقة بين المحاور المتصارعة تسمح برئيس لجمهورية بلا جمهور؟