التركيبة السياسية لا تسمح بأخذ قرار بمستوى حل المجلس أو ترك الأمور للفراغ
المنطقة أمام تطوّرات مصيرية ولبنان يغرق بالخلافات حول جنس ملائكة قانون الإنتخاب
«هل يطلّ «الستين» برأسه معدلاً على قاعدة «عصفور باليد ولا عشرة على الشجرة؟»
في الوقت الذي تتلاحق فيه التطورات الدراماتيكية في الميدانين السوري والعراقي، تبقى الساحة السياسية الداخلية أسيرة الخلافات حول جنس ملائكة قانون الانتخاب من دون بروز أي معطيات تفيد بإمكانية أن تسجل الطروحات والأفكار التي يتم تداولها خلف الكواليس أي خرق في جدار هذه الأزمة، وقد عبّر عن هذا الواقع رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي قال انه بالرغم مما قيل ويقال فإنه لا شيء بعد في قبضة اليد في ما خص الاستحقاق الانتخابي.
وأمام هذا المشهد الضبابي فإن السؤال يصبح مبرراً حول ما إذا كان هذا الاستحقاق كما غيره من استحقاقات سبقته كانتخاب رئيس وتأليف حكومة يحتاج إلى تدخل اقليمي أو دولي، وإن صح ذلك فإن ذلك يعني اننا بتنا امام نظام سياسي عاجز لا قدرة له حتى على معالجة شؤونه الداخلية، فكيف سيكون في مقدوره مواجهة الرياح العاتية التي تعصف في المنطقة وينأى بالبلد عن الحريق الملتهب بالقرب منه؟
وفي هذا السياق، توضح مصادر سياسية متابعة أن كل الأفكار التي تمّ تداولها إلى الآن حول قانون الانتخاب ذهبت ادراج الرياح، لا بل إن حركة الاتصالات التي دارت بزخم في الاسبوعين الماضيين قد تراجعت بشكل واضح بعدما ارتطمت كل الصيغ التي تم تداولها بالفيتوات والرفض المتبادل مما جعل القوى السياسية تعود وتتمترس وراء مواقفها المعلنة في الأصل وهو ما أعاد البحث في قانون الانتخاب الى مربعه الأوّل بانتظار أن يقدّم أي فريق أفكاراً جديدة تكون صالحة للأخذ والرد علَّ وعسى أن يتم الوصول الى صيغة توافقية تسبق الوقوع في الفراغ في 21 حزيران المقبل.
وفي رأي المصادر أن التركيبة السياسية في لبنان لا يمكن أن تسمح باتخاذ قرار كبير بمستوى حل المجلس أو الوقوع في الفراغ، واضعة مثل هذا الكلام في خانة الضغط لا أكثر.
وإذ تدعو المصادر إلى عدم الاغراق في التشاؤم فإنها لا تستبعد إمكانية الوصول إلى صيغة توافقية حول قانون الانتخاب في الربع الساعة الأخير على غرار ما كان يحصل في استحقاقات مماثلة، لأن عكس ذلك فإنه يعني أننا سندخل في متاهات لا يعلم الا الله كيف الخروج منها.
وتستغرب المصادر كيف أن البعض يحاول رمي الكرة في ملعب المجلس ما دام وضع القانون من مهمة الحكومة التي يعود لها التفاهم على قانون انتخابات ومن ثم إحالته إلى مجلس النواب لمناقشته واقراره، وبالتالي فإن أي كلام من هذا النوع يأتي في إطار معركة شد الحبال الحاصلة حول هذا الاستحقاق حيث لا ينص الدستور في أي مادة من مواده على ما ستكون عليه الأوضاع في حال انتهت ولاية المجلس ولم يمدّد له.
وفي اعتقاد المصادر أن ما يؤخر ولادة قانون الانتخاب هو أن سقوف القوى السياسية لا تزال عالية بحيث لم يتراجع أي فريق عن موقفه وتقسيماته الانتخابية التي يرى فيها الحصن الحصين له على غرار الموقف المتخذ من قبل النائب وليد جنبلاط، وفي حال بقيت المواقف على حالها فان المشكل آتٍ لا محال كون أن الخلاف ما زال عميقاً في الرؤى بين مختلف القوى السياسية، حيث يحاول كل فريق بأن لديه اوراقاً مستورة من الممكن كشفها في أي وقت في حال لم توصل لعبة «المسايرة» إلى الطريق الصحيح في اتجاه إعداد قانون جديد للانتخابات.
وترى المصادر السياسية أن كل ما يحصل إلى الآن ما زال في طور الكلام والمزايدات ومحاولة تسجيل النقاط الشعبوية، والتكاذب، وأن هذا النوع من التعاطي لن يوصل بالتأكيد إلى إنتاج قانون جديد للانتخابات، بل إلى معادلة واحدة مفادها «قانون باليد ولا عشرة على الشجرة» بمعنى ان قانون الستين لم يأفل نجمه وأنه ما زال متربعاً على عرش الانتخابات وأنه من غير المستبعد أن يطل برأسه من جديد معدلاً كتسوية يقبل بها حتى اكثر المتحمسين لرحيله. وفي حال انتهى النقاش الانتخابي إلى مثل هذه النتيجة فإننا سنعود مجدداً الى الدوامة نفسها وستغرق الساحة السياسية مجدداً أيضاً بالصراعات السياسية التي ربما تقضي على ما تبقى من هياكل الدولة، وتتلاشى معها فرصة تطوير النظام.
وتعتبر المصادر أن العودة إلى «الستين» معدلاً أو غير معدل تضع الطبقة السياسية في مواجهة اكثرية اللبنانيين، لا سيما الشباب الذين ينشدون التغيير، وهذا إن حصل سيُدخل البلد في مشكلة كبرى سيكون لها تداعيات خطيرة على مجمل الوضع العام، كما انه سيكون سبباً اضافياً لكي يفقد المجتمع الدولي ثقته بالنظام السياسي في لبنان وسيظهر لبنان في المحافل الدولية بموقع الضعيف غير القادر على إحداث التغيير المطلوب الذي يُشكّل بالنسبة له نقلة نوعية في اتجاه الأفضل في ظل المتغيّرات التي تحصل على مساحة العالم، وفوق ذلك كلّه سيكون ضربة قوية وموجعة للعهد الذي ما برح يقول بأن قانون الستين رحل بلا عودة.