Site icon IMLebanon

العريضي وجنبلاط… «صفحة وإنفتحت»

لا يحضر اسم غازي العريضي إلا تحضر معه الشائعات وعشرات الأسئلة حول علاقته ـــ اللغز بالنائب وليد جنبلاط. قبل عشرة أشهر، طوى البيك صفحة «رفيق النضال». ولكن في المختارة، الصفحة التي تطوى يعاد فتحها متى ارتأى البيك ذلك

غازي العريضي راح أو غازي العريضي رجع، أُقصي أم تمرّد على حزبه أم دخل في «إجازة سياسية» كما أعلن عشية استقالته من منصبه وزيراً للأشغال العامة والنقل. كثرت علامات الاستفهام حول القطب المخفية التي حالت دون ورود اسم العريضي في لائحة الترشيحات الاشتراكية في نيسان 2013 ودفعت به الى الاستقالة في كانون الأول من العام نفسه، من دون أي تفسير واضح ومقنع. يومها، أعلن النائب وليد جنبلاط أن بياناً سيصدر حول أسباب الاستقالة، إلا أن البيان لم يصدر والحزب لم يبرّر سبب عدم صدوره. اقتصرت التعليقات على كلام مقتضب للبيك ينفي فيه معرفته المسبقة بخطوة الوزير الاشتراكي قائلاً: «العريضي ينتمي إلى حزب ولا يمكنه التصرف على كيفه»، ليضيف لاحقاً في تصريح آخر «صفحة وطويت».

وفيما ظنّ الجميع أن هذه الصفحة طويت حقاً مع غياب العريضي عن الساحة السياسية والشاشات لأكثر من تسعة أشهر، عاد «النائب الضال» الى حضن المختارة ويمين البيك… من دون أي توضيح أيضاً. بسهولة لم يعهدها الاشتراكيون سابقاً، انتهى الخصام بين جنبلاط ورفيق نضال السنوات الخمس والثلاثين؛ مالح البيك نائبه على الغداء في منزل الأخير في بيصور، قبل أن يكملا معاً الجولة الاشتراكية على قرى عاليه كما في الأيام الخوالي. وكتبت الخاتمة السعيدة مع عودة اسم العريضي الى لائحة الترشيحات المقدمة الى وزارة الداخلية أخيراً.

منذ نحو شهر، كان العريضي حاضراً في لقاء التعارف بين السفير الإيراني محمد فتح علي وجنبلاط في منزل الأخير في كليمنصو. وكان يمكن سماع اشتراكيي القرى يتهامسون عن تكليفه بملف جديد يبدأ فيه عهده الجديد، ملف العلاقة مع حزب الله وإيران. ولكن، لا يبدو العريضي على علم بهذه المسؤولية، إذ ينفي التطرق الى أي من هذه الأمور. ويقول لـ«الأخبار» إنه «صودف وجودي عند البيك لدى وصول السفير الإيراني، فحضرت اللقاء بناءً على طلب» جنبلاط منه البقاء. أما في ما خص العلاقة مع حزب الله، «فهي لم تنقطع أبداً حتى يعاد إحياؤها»، بل «الأصح القول إنها انقطعت مرة بعد حادثة 7 أيار 2008 عندما قصف عناصر من الحزب منزلي بحجة تخزين أسلحة فيه. واستمرت الحال على ذلك لنحو عام، قبل أن يكسر جنبلاط الجليد بلقاء مع السيد حسن نصر الله».

يؤكّد العريضي أنه لم يتسلم أي مسؤولية حزبية أو سياسية، ولا هو «أُقصي» أو «استبعد» أو اتهم بالفساد. كل ما في الأمر أن «اختلافاً في وجهات النظر لا أرغب في الحديث عنه وقع، لذلك فضلت الابتعاد قليلاً. ولكن حين وجدت أن التغيرات الدولية والإقليمية والمحلية والحزبية تتطلب أن أضع كتفي أمام كتف البيك، تراجعت عن قرار عدم الترشح ووضعت نفسي بتصرف المختارة». وهو ما أكده أمين سر الحزب ظافر ناصر عند تقديمه للائحة المرشحين. إذ أشار في معرض رده على إعادة ترشيح العريضي: «نحن قوة سياسية في لبنان ونعيش في هذا الواقع السياسي، حيث يمكن أن يحصل خلاف في وجهات النظر داخل الحزب، لكن العريضي بقي دائماً شخصية أساسية في الحزب».

غازي العريضي «رجع» من دون أي دور جديد، كما يقول، سوى كونه نائباً في اللقاء الديموقراطي ومقرباً من زعيم المختارة. واليوم، لا تواصل مع السعودية التي كان مكلفاً بالتنسيق معها بعدما كلّف الوزير وائل أبو فاعور وتيمور جنبلاط بهذا الملف.

ينفي العريضي أن تكون للأمر علاقة بغياب الكيمياء بينه وبين الرئيس سعد الحريري، من دون أن ينفي أن الخلاف بينهما «قديم ويعود الى تاريخ تسلم الحريري رئاسة الحكومة وعدم موافقتي على تسيير عمل شركة «الميز» المخالفة للقوانين».

على المقلب الآخر، وخلافاً لما يشاع، «لا تواصل مع سوريا أيضاً منذ أن قطع جنبلاط علاقته بالنظام السوري». حزبياً، «ماشي الحال»… وبسمة صغيرة من دون أي تعليق على كونه صاحب فكرة الجولة الجنبلاطية في الجبل ومختلف القرى. وهو في هذا السياق يؤكد الخبر المتداول عن اغتنام البعض فرصة لقاء البيك للتذمر من عدم تلبيته طلباتهم عندما كان وزيراً للأشغال: «مشكلتي الرئيسية أنني أساوي بين الجميع ولا أؤمن بالوساطة الحزبية أو السياسية بل بالقانون والحق فقط».

قد يكون العريضي من قلة قليلة في الحزب الاشتراكي وفي الأحزاب السياسية ممن لا يخشون التعبير عن مواقفهم وآرائهم من دون الحرص على تكرار مواقف الزعيم بين كلمة وأخرى: «عندك رأيك بس رأيي منو رأيك». ربما لذلك علاقة بتاريخه الحزبي الطويل سواء مع الزعيم الراحل كمال جنبلاط أو مع نجله، وتمايزه عن زملائه بعلاقاته الخارجة عن الإطار المحلي والسياسي الضيق. وربما يفسّر ذلك انشغال الحزبيين والصالونات السياسية سابقاً بفك لغز غيابه، وانشغالهم اليوم باكتشاف لغز عودته. في كل الأحوال، يضحك العريضي عند تعداد الأخبار المتداولة عن «استبعاده» من الشائعات المالية الى الشائعات السياسية، وصولاً الى الحزبية والعائلية منها. وهو في هذا السياق، لا يتكلف بالردّ عليها إعلامياً أو قضائياً وخصوصاً في ما يتعلق بالشق المالي: «فمن رفض استخدام سيارات الوزارة وحورب لعدم تلبيته طلبات غير قانونية وغير محقة حتى لو كانت تخص زملاء ورفاقاً وأهالي الجبل، لن يضيّع وقته في الرد على الشائعات وتبريرها. اليوم يشغل وزارة المال وزير لا يمت الى الحزب بصلة، أتحدى أن تكون هناك فاتورة واحدة لغازي العريضي. ليجدوها وينشروها». أصلاًً، لا وقت لديه اليوم للرد على أي شائعة، إذ يرتكز عمله الرئيسي على تنظيم ملفاته الخاصة في مكتبه الجديد في منطقة الرملة البيضاء. والملفات هذه عبارة عن «ملاحظات يومية دقيقة» تتناول لقاءاته والأحداث التي شهدها خلال سنوات عمله السياسي، أي أكثر من أربعين عاماً، ينظمها في ملفات سنوية ويضعها في مكتبته أو مكتباته الثلاث. لذلك هو «ذاكرة وليد جنبلاط»، وملفاته باتت أرشيفاً معتمداً لدى الكثير من السياسيين الراغبين في التأكد من تفصيل ما خلال اجتماع معين وفي حقبة معينة. ولكن هل يشكل غازي العريضي النائب والوزير والسياسي والمؤرخ والدبلوماسي خطراً على زعامة تيمور وليد جنبلاط؟ «عقلي لي هو أساس فكري وقلبي لي هو أساس عاطفتي وعيوني لي هني أساس بصري وكل حواسي بتصرخ كمال جنبلاط، وليد جنبلاط والحزب الاشتراكي».