تُعتبر الطائفة الأرمنية من الطوائف الأساسية والمهمة التي لعبت دوراً أساسياً في كل الإستحقاقات الإنتخابية المتتالية.
لا يملك الأرمن فائض الديموغرافيا، فهذه الطائفة تعرّضت كما كلّ الطوائف المسيحية للاستنزاف نتيجة الحروب المتتالية والهجرة، وبالتالي فقدت ثقلها العددي، لكن تأثيرها المعنوي والسياسي والإنتخابي بقي حاضراً في بعض الدوائر.
بعد إقرار «إتفاق الطائف»، بات للأرمن 6 مقاعد في البرلمان، 5 للأرمن الأرثوذكس ومقعد واحد للأرمن الكاثوليك، وتوزّعت على الدوائر كالآتي: 3 أرثوذكس ومقعد كاثوليكي في العاصمة بيروت، مقعد للأرثوذكس في كل من المتن وزحلة.
قبل الحرب كان الرئيس المؤسس لحزب «الكتائب اللبنانية» الشيخ بيار الجميل يتّكل على أصوات الأرمن لخوض معركته في الأشرفية، وبعد الحرب ضربت قوانين الإنتخاب أثناء وجود الإحتلال السوري التأثير الأرمني في بيروت، وبات حزب «الطاشناق» خارج اللعبة الإنتخابية في العاصمة، وقد دعم الرئيس رفيق الحريري خصومه لحصد المقاعد الأرمنية.
وعلى رغم غياب التأثير الأرمني عن بيروت، كان للصوت الأرمني صداه المدوّي في المتن، حيث اتّكل النائب الراحل ميشال المرّ عليه لتمتين زعامته التي تخطّت في ذلك الحين المتن الشمالي.
ولعب «الطاشناق» دوراً أساسياً في إيصال لائحة العماد ميشال عون في انتخابات 2005، ومن ثمّ إسقاط الرئيس أمين الجميل في الإنتخابات الفرعية في العام 2007، وحسم التصويت الأرمني الكثيف واستقدام المغتربين الأرمن فوز لائحة «التيار الوطني الحرّ» على تحالف 14 آذار والمرّ في انتخابات 2009 والتي خرقها النائبان المرّ وسامي الجميل.
هذا في القانون الأكثري، أما في النسبي، فصحيح أنه تمّ ضمّ المدوّر إلى الأشرفية والصيفي والرميل، وباتت المقاعد الأرمنية الأربعة ضمن الدائرة المسيحية في العاصمة، لكن هذا الأمر فضح الديموغرافيا الأرمنية وأظهر أن لا حضور وازناً للأرمن في العاصمة كما كان في السابق.
أما في المتن الشمالي، ففقد «الطاشناق» دور «بيضة القبّان»، فبعد أن كان الجميع يتقاتل لضمّه إلى لائحته، أصبح عبئاً على أي لائحة، كذلك هناك غضب أرمني من سياسة «الطاشناق» الوطنية والتحاقه بـ»التيار الوطني الحرّ» والعهد ومحور «الممانعة» الذي ضرب مصالح اللبنانيين عموماً والأرمن خصوصاً، ومن جهة ثانية هناك غضب أرمني داخل أحياء برج حمود ومزهر وفي نفس كل أرمني على أداء الأمين العام لحزب «الطاشناق» النائب أغوب بقرادونيان الذي يستفرد بالحزب ولا يردّ على مطالب ناخبيه، علماً أن المتن شهد موجة هجرة أرمنية كبيرة في آخر سنتين، ومنهم من هاجر إلى أرمينيا وآخرون إلى أميركا ودول أوروبا.
وبالنسبة إلى زحلة، فإن الحضور الأرمني خجول ولا يتجاوز الثلاثة آلاف مقترع، ولا يمكنهم التأثير في مقعدهم، من هنا فإن حظوظ «الطاشناق» في حصد المقاعد الأرمنية يتراجع.
وبالعودة إلى آخر انتخابات، فقد فاز «الطاشناق» بثلاثة مقاعد، 2 في دائرة بيروت الأولى وواحد في المتن، في حين فاز تحالف «القوات» ورجل الأعمال أنطون الصحناوي بمقعد في بيروت وكذلك فازت النائبة بولا يعقوبيان، بينما ذهب مقعد زحلة إلى المرشّح ادي دميرجيان حليف النائب السابق نقولا فتوش.
من هنا، يُعتبر وضع «الطاشناق» في هذه الإنتخابات مهتزّاً، فهناك خطر كبير على مقعد أغوب بقرادونيان، إذ إن تحالفه مع «التيار الوطني الحرّ» سيرفع حاصل اللائحة البرتقالية من دون تأمين فوزه، والأمر نفسه ينطبق على التحالف مع المرشح ميشال الياس المرّ إن حصل وذلك يعني أن بقرادونيان سيسقط لأن هذه اللائحة غير قادرة على حصد أكثر من حاصل.
ومع تسليم «الطاشناق» بفقدانه مقعد زحلة، تتّجه الأنظار إلى بيروت الأولى حيث قد يفكّ تحالفه مع «التيار الوطني الحرّ»، ومع تقلّص الوجود «الطاشناقي» والغضب على العهد فإن معركته تنطلق من حاصل واحد ويحاول كسب حاصل إضافي إذا نجح في ذلك مع أن المهمة صعبة، وبالتالي فإن تراجع هذا الحزب الأرمني العريق بات واضحاً، لكن السؤال الكبير الذي يُطرح، من سيملأ هذا الفراغ؟