غداً الذكرى الثانية بعد المائة، ل الإبادة الأرمنية، على يد العثمانيين، في العام ١٩١٥.
خمس وستون دولة ومنظمة، شاركت قبل عام، في مسيرة حاشدة انطلقت في مدينة يرفان عاصمة جمهورية أرمينيا، لاحياء تاريخ أكبر مذبحة اقترفها العثمانيون بحق الشعب الأرميني.
في ذلك الاحتفال، وقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، ودعوا تركيا الى الاعتراف ب الابادة الأرمنية، والى إنهاء فصول المراوغة.
وبصوت عالٍ قال رئيس أرمينيا سيرج سركيسيان، ان اللغة الانسانية لا يمكن ان تصف ما شهدته بلاده، عندما ذبح العثمانيون مليوناً ونصف مليون أرمني لا ذنب لهم، إلاّ لكونهم شعباً حيّاً في جمهورية الأذكياء!
ولبنان، الذي قُيِّض له أن يستقبل في رحابه، الآلاف من الشعب الأرميني، يدرك أكثر من سواه، حقيقة وخصوصية شعب عرف، بذكائه ونبوغه، كيف يختار الشهادة بحرية، على الحياة في ذلّ وعار.
ولذلك، فقد أقبلوا على البحار، لأن الموت غرقاً، أفضل من الحياة الذليلة والرخيصة على الارض.
***
مئوية الابادة العثمانية للشعب الأرميني، كانت أكبر ابادة عرفها العالم.
لقد أرادت الحكومة العثمانية ابادة شعب، واقتلاعه من أراضيه، منذ العام ١٩١٨.
جمعت الأفذاذ من الشعراء والأدباء، والمفكّرين، وعباقرة القرن العشرين، في بداياته، لكنها لم تستطع اقتلاع شعب من جذوره، لأن الأرمن أثبتوا انهم أقوياء وأصحاب قيم وحضارات.
من هنا، كان الشعب الأرمني في لبنان شعباً حيّاً، وعنواناً للذكاء والابداع.
إنتظر العالم من أردوغان، أن يعتلي المنصة، ويعترف ب الابادة الأرمنية.
لكنه، كان مثل سواه، يعترف بالخطأ، ولا يسمّيه.
ولذلك، فانه يسعى الآن الى صداقة أوروبا وأميركا، ولا يسعى الى الاعتراف بحقيقة تذبحه كل يوم عشرات المرات.
غداً ٢٤ نيسان.
انها ذكرى مرور مائة عام وعام على المذبحة الأرمنية.
والشعب الأرمني جزء من الشعب اللبناني، يرفده بالذكاء والنبوغ، ويعطيه درساً لا ينسى في الحياة السياسية.
هذا الشعب عنده أحزاب.
وفي صفوفه مبادئ وأفكار.
يعرف كيف يتفق في القضايا الأساسية، ويعرف كيف يختلف حول الأمور العادية.
هذا الشعب نحبّه، لأنه جزء من الشعب اللبناني.
ونحترمه، لأنه يعلمنا كيف تكون ارادة التنوّع ملحمة من ملاحم الحريات السياسية.
***
الابادة ليست قضية الشعب الأرمني وحده.
انها قضية كل انسان، يهفو الى الكرامة، ويعشق الحرية، ويتطلع الى المجد.
كان سعيد عقل يقول ان على اللبنانيين، أن يتعلموا معنى الحرية من الشعب الأرمني، الحرّ في آرائه وعقيدته والمبادئ، ذلك ان الحرية لا تتجزأ.
وراح يشدّد في حياته، قبل رحيله، على ان الحرية تبدأ في تفكير المواطن، ولا تنتهي عند العقبة الأولى التي يصادفها، والشعب الأرمني يكافح، ولا يتخلّى عن خصائصه في مفاهيم الحرية الانسانية.