IMLebanon

الإبادة الأرمنية «جرح مفتوح»… في ضمير الإنسانية

هي قضيةٌ لم يستطع الزمن محوَ ظُلمها من ذاكرة التاريخ، هي قصة شعبٍ خسر أكثر من مليون شهيد من أجداده لكنه أبى التخلّي عن هويته المتأصلة في أرض الإنسانية والمتجذّرة في المُطالبة بحقٍّ أغفلته السياسات الكُبرى وظُلمها. 100 عام والذكرى محفورةٌ على جدران التاريخ، تحاول أبداً إيقاظ العدالة وضمير الكبار. الاعتراف بالإبادة الأرمنية لن يوقظ أرواح الأجداد، لن يعيد الأيام التي حلّقت مُبتعدةً من كتاب الحياة ولن يَخلق ذكرى تتناقلها الأزمنة حنيناً وفرحاً، بل سيشهد على تاريخ صمود في وجه الظلم ومسيرة نضال في وجه القتل ومقاومة ثقافية في وجه قمع الإنسان.

لن تمرّ الذكرى المئوية للإبادة الأرمنية من دون أن يثور ذلك البركان النائم منذ 100 سنة. ولن يمرّ تاريخ 24 نيسان من دون أن ينتفض ذلك الشعب الذي ضاع حقّه في منعطفات الأيام وفي دفاتر السياسات الكُبرى. صرخة الشعب الأرمني باتت صرخة لبنان أيضاً، هذا البلد الذي احتضنه وقاوم معه ثقافياً وتربوياً وإنسانياً.

قضيّته اليوم، شكّلت محور نقاش المجتمع اللبناني، وفي ذكرى مئوية الظلم في حقِّه، نظّمت كلية الفلسفة والعلوم الإنسانية في جامعة الروح القدس – الكسليك، مُحاضرة بعنوان «100 عام… وماذا بعد؟»، سلّطت الضوء خلالها على مسار النضال في هذه القضية منذ عام 1915 وحتى 2015، ورَفعت الصوت عالياً نحو ضرورة الاعتراف بالإبادة لإعادة حقِّ شعبٍ تآكله الظلم.

مُساندة هذا الشعب الأخ الذي تشارك لبنان معه الأرض والمواطنية، أتت من المحاضرين الأربعة، الذين رحّبت بهم عميدة كلية الفلسفة والعلوم الإنسانية هدى نعمة مُفتتحةً المحاضرة بالقول إنّ «في هذا الوقت الحساس من تاريخنا وعلى مُفترقٍ يحدّد مصيرنا ومستقبل الشرق الأوسط، في لحظةٍ نرى فيها الظلمَ يحكم وجدار الكُره يعلو، أفهمنا الوعي الجماعي للمجتمع الأرمني أنّ النسيان ليس مسجَّلاً في تاريخ شعبٍ حي.

إنّ ثقافة اليأس تتوسّع، فعلى كم مجزرة يجب أن نشهد لنفهم أنّ علينا التصرّف بعقلانية وموضوعية؟ علينا أن نعزّز وحدة الأقليات لبناء الأكثرية الموحّدة في التعددية الثقافية والحضارية».

ولم تترك نعمة العنوان السؤال للمحاضرة من دون جواب فقالت: «بعد مئة عام، تقاوم الثقافة في وجه كلّ قتلٍ عنصري وكلّ تطهير ديني، يطغى حوار الحقيقة من أجل مستقبل يتصدّى للتجارب القاتلة، يتجلّى الاعتراف بالآخر المختلف ولكن الحرّ والمتساوي بالشعوب كلّها، ويحلّ التسامح».

يُقرأ التاريخ «بعين الوثيقة» لا «بعين السياسة والعاطفة» لأنّ الوثيقة هي «مرآة التاريخ» فـ«لا تاريخ بلا وثائق ولا وثائق بلا تاريخ»، بهذه الكلمات افتتح الدكتور صالح زهر الدين من الجامعة اللبنانية مُحاضرته بعنوان «الإبادة الأرمنية في ضوء الوثائق»، الذي عدّد فيها كلّ ما وثّقه التاريخ للإبادة، قائلاً إنّ «الشيء الوحيد المؤكّد في التاريخ هو الزمان والمكان، فلا يمكن لكلّ مساحات الأرض تبييض صفحة واحدة من هذا التاريخ الذي يخجل من سواده».

على الرغم من كلّ شيء حافظ الشعب الأرمني على لغته وتقاليده لضمان استمرارية الهوية القومية الأرمنية، فعلى هذا الأساس فصّلت المديرة التنفيذية للهيئة الوطنية الأرمنية في الشرق الأوسط، فيرا يعقوبيان محاضرتها بعنوان «مراحل القضية الأرمنية من 1915 حتى 2015» التي عدّدتها تفصيلياً وأكّدت على أنّ «في الذكرى الخمسين للإبادة، سُيِّست القضية، فقامت الثورات الشبابية مُطالِبة المجتمع الدَولي بالاعتراف بالإبادة خصوصاً تركيا للتعويض عن الخسائر». واعتبرت أنّ استخدام البابا فرنسيس كلمة «إبادة» هو الخطوة الأولى نحو الاعتراف بالجريمة».

«الأموات غير مرئيين ولكن هذا لا يعني أنهم غائبون»، بهذا القول للقديس أغسطينوس بدأت الدكتورة سهيلة سلوم محاضرتها مُركّزةً على 3 محاور في مسيرة عذاب الأرمن وهي فعل إيمان بهذا الشعب، فعل الأمل في قدرتهم على بناء ذكرياتهم، وفعل محبّة ومسامحة.

وقالت: «عندما يُقتل الشعب ظُلماً، يطالب بالعدالة وليس بالانتقام. فواجبنا تجاهه اليوم يتمثّل بإعادة ذكراه وتاريخه عن طريق الاعتراف ومعرفة هذا التاريخ، لأنه بهدف بناء المستقبل علينا أن نُدرك الماضي بوضوح».

تالار أتشيان من الجامعة الأنطونية، أعطت شهادةَ فتاةٍ من الجيل الثالث لجيل الإبادة، فقالت إنه في الذكرى المئوية «أتذكّر وأطالب بالعدالة لشعبي ولكنني أعظّم أيضاً انتصار الأرمن الذين صمدوا على الرغم من التهجير والعذاب. قلبي يملأه الغضب والفخر! أطالب بالاعتراف بالإبادة كي تستريح أرواح أجدادي بسلام، فأنا أتذكّر وأطالب بالعدالة».