IMLebanon

بداية مواجهة لا تسوية… أرمن “أرتساخ” نحن هنا

 

خيانة من قلب البيت والخنجر في الصدر سيُردّ

 

“كلّ خائن يختلق لنفسه ألف عذر وعذر ليقنع نفسه بأنه فعل الصواب”… فهل أقنع رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان نفسه بأنه فعل الصواب حين وقّع مع رئيسي كل من روسيا وأذربيجان على إنهاء حرب قره باخ أم أن ما فعله هو الخيانة العظمى لشعبٍ أرمني لن يقبل بأقل من سقوط هذا الرئيس؟ الشعب الأرمني في أصقاع العالم في ذهول في حين أن الدم القاني لم يجف بعد فهل كُتب عليهم دفع فواتير تقاطع المصالح دائما من اللحم الحيّ ومن خريطة الجغرافيا الأرمنية التي تتقلص تحت ألف حجة وحجة؟

 

ما يخشاه الأرمن أن تُصبح الخيانة وجهة نظر. فها هي عيون الأرمن في كل العالم دامعة وقلوبهم مكسورة لكن، إيمان هذا الشعب الهائل بالأرض الأم وبقوميته لا يوازيه إيمان. كيف لا، والشعب الأرمني يواجه، منذ أكثر من مئة عام، كل من تقاطعت مصالحهم على إبادته أولا و”تشليحه” الأرض من جديد؟ فهل أخطأ الأرمن في مكان فدفعوا الثمن مجدداً أم أخطأ من يتعاملون معهم في فهم طبيعة هذا الشعب الأرمني الذي لا يقبل بالهزيمة تحت أي اتفاق؟

 

الوزير السابق الدكتور ريشارد قيومجيان رأى أن “هذا النهار حزين، فقد كُتب على الشعوب الصغيرة غالباً أن تدفع الثمن” وقال “سبق وتمّت خسارة أرمينيا الغربية بعد الحرب العالمية الأولى وبعد ان تمّ النكوث بمعاهدة سيفر خسرنا جزءاً من أرمينيا، واليوم كان هناك أمل بعد العام 1991 باستعادة ارتساخ والأراضي المثبتة للأرمن لكن تلاقت المصالح مجدداً على الإطاحة بالشعب الأرمني الذي أعطى يومياً، منذ اندلاع حرب ناغورني قره باخ، بين خمسين ومئة شهيد. وذلك تحت حماية روسية”.

 

ما حصل مؤلم. الأرمن شعب يستحق الحياة. لكن، حتى من ظننا أنهم يقفون الى جانبه تآزروا ضده. ويقول قيومجيان “كل مواقف الدول تجاه قره باخ ملتبسة، من روسيا الى إيران الى جورجيا، في حين ان الموقف التركي جاء سافراً من دون ان نرى أي من الدول المجاورة تتحرك. ثمة شبكة مصالح حين تتقاطع تودي بالشعوب الصغيرة أصحاب الحقوق، وبالتالي ما حصل اليوم يجعلنا نقتنع أكثر بوجوب عدم الاتكال على أحد”.

 

الوزير السابق كريم بقرادوني يراقب هو أيضا ما حصل. فهل رأى في ما حصل استسلاما لشعب أرمني ما عرف يوماً الإستسلام؟ يجيب “أعتقد أن المعركة لم تنته هنا (ولن تنتهي هنا). هناك حرب حقيقية ستحصل. وبرأيي أذربيجان لن تستطيع، وبظهرها تركيا، احتلال كل كاراباخ. فالأرمن أقوياء وسيحصلون على دعم من أرمن العالم، من أرمن الولايات الأميركية ومن أرمن لبنان. المعركة قوية وطويلة. ويستطرد بالقول “هناك دور مهم لايران وروسيا اللتين تطالبان بتسوية سياسية لكن في نهاية المطاف تعي الدولتان بأن الأرمن لا يخضعون لأي تسوية. فما نشاهده الآن ليس أبدا بداية تسوية بل بداية مواجهة”.

 

لكن، ما شهدناه من موقف ايراني أخير، من خلال كلام الخامنئي عن أن أراضي قره باخ هي للأذريين، بيّن وكأن الجميع تآمر على أرتساخ؟ يجيب بقرادوني “ايران ترى ان لا حلّ عسكرياً في قره باخ، وأن لا أحد من الفريقين الأذربيجاني أو الأرمني يستطيع الانتصار لذا أتت وجهة نظر ايران بالذهاب الى التسوية. وهناك تواصل بين ايران وتركيا في هذه الناحية، هي تسوية غير معلنة. هي دبلوماسية غير معلنة. في كل حال، نظراً لحجم اللعبة التي تحصل في المنطقة التي تعتبر روسيا معنية بها وايران ايضا معنية بها، وفي ظل عدم وجود حلّ عسكري ذهبوا الى التسوية”.

 

كلام بقرادوني يؤكد ما ذهب إليه قيومجيان “بأنه عند تقاطع المصالح تطيح الدول بالشعوب الصغيرة”.

 

ما رأي رئيس حزب الرمغفار سيفاك أغوبيان؟ هل ما نشهده اليوم هو هزيمة لأرمينيا؟ يجيب “لن أسميها هزيمة لأن قره باخ لم تسقط عسكريا بل باعوها”.

 

أرمينيا “بيعت” مجدداً، وهذه المرة بموجب اتفاق “لا أحد يعرف أبعاده” بحسب أغوبيان ويشرح “خسرت أرمينيا جغرافيا بموجب الاتفاق ما لم تخسره في حربها وستخسر ديموغرافيا بعد خمس سنوات ما تبقى من ارتساخ. هذا الاتفاق سلمها الى الأذريين” ويستطرد “برأيي حقق رئيس الوزراء الأرمني الهدف الذي جيء به قبل عام ونصف من أجله. هو سلّم ارتساخ على طبق سهل، وتمّم مهمته. وأعتقد أن كل سياسة قائمة على الشعبية التي أتت به خطيرة على الشعب وعلى الذات”.

 

لكن، قيل هناك، من قِبل رئيس الوزراء الأرمني نفسه، أنه لم يكن هناك مجال ليربح الأرمن في أرتساخ؟ يجيب أغوبيان “الأراضي التي قبل رئيس الوزراء بتسليمها لم تكن ساقطة عسكريا. ثمة أمر حصل. ومن يقبل بدخول الحرب عليه ان يكمل حتى النهاية. فماذا يمكنه ان يقول لأمهات الشهداء؟ وماذا يمكنه ان يقول للأشخاص الذين هُجّروا؟”.

 

وكيف يرى رئيس الـ “رامغفار” الانقلاب الايراني على الأرمن؟ يقول “رجع هؤلاء الى عقيدتهم، وليس هناك سبب آخر، فإيران باتت هي ايضا محاصرة جغرافياً وسياسياً على حدودها الشمالية. ووجود تركيا واذربيجان على هذه الحدود يُشكل خطرا على مناطق شمال ايران التي يسكنها أذريون، الذين قد يقومون ذات يوم بحركة انفصالية بدعم من أذربيجان. وبالتالي الموقف الايراني الحالي لا يمكن ادراجه إلا في خانة الاتجاه العقائدي ليس إلا”.

 

المديرة التنفيذية للهيئة الوطنية الأرمنية في الشرق الأوسط فيرا يعقوبيان حزينة جدا ايضا وتقول “ثمة خيانة عظمى حصلت” وتشرح “الموقف الإيراني لم يكن يوماً مساعداً للأرمن، وكل ما قيل العكس ليس سوى كلام إعلامي إلا إذا كان الوقوف على الحياد في الفترة الأولى عاملا مساعداً. فإيران لم تعلن يوماً أنها تساعد أرمن قره باخ. واليوم هنأت أذربيجان باستيلائها على منطقة شوشي. ثمة تحالفات تنخرط فيها ايران في القوقاز لم تظهر بعد. هناك أشياء غير واضحة. ثمة اتفاقية حصلت بين روسيا وتركيا تمظهرت بالتوقيع على اتفاق وقف اطلاق النار في قره باخ. لا أعرف مدى تنفيذه على الأرض لأنه يوجب بإفراغ مناطق في غضون خمسة أيام تحت إشراف الأمم المتحدة. هذه كارثة إنسانية حقيقية. الأرمن كانوا منتصرين الى حين اعلان الوثيقة، وكانت النخبة التركية التي تحارب في ارتساخ خاسرة. وهناك عدد كبير من الشهداء الأرمن لم يتم الإعلان عن أسمائهم حتى اللحظة لأن لا قدرة لمن باعوا الأرض على تحمل تبعات الإعلان عن العدد. فالسماح لهؤلاء، الخونة، بدخول تركيا الى عقر دار الأرمن يشي بأمر خطير حصل”.

 

ما يهم الروس بحسب يعقوبيان “هو التمركز في المنطقة عسكرياً. وهؤلاء سيضمنون حدود ايران. والوجود الأذربيجاني في ايران كبير. 40 في المئة من الشعب الايراني من اصول أذرية حتى آية الله خامنئي من أصول أذربيجانية لا فارسية”.

 

الخيانة. هي الكلمة التي تتكرر على ألسنة الأرمن في العالم. رئيس وزراء أرمينيا خان العهد والأرض والشعب. الوزير السابق ريشارد قيومجيان يدرك حجم المعادلات الدولية التي “تقلب” الطاولة في احيان كثيرة على رؤوس أصحاب الحقوق ويقول “المصالح الجيوسياسية ليست إلا “مصالح” لكنها لن تفقدنا الايمان بأننا سنسترد الهوية والموقع الطبيعي وسنحافظ على الوجود الأرمني في ارتساخ” ويستطرد بالقول “لن نعمل كما سوانا بجعل النكسة انتصاراً بل نحن سنستعمل ما حصل لنحوله الى حافز يزيد فينا الايمان بالنفس وبالقضية وبرسالتنا في هذه البقعة من العالم”.

 

نعود الى الوزير السابق كريم بقرادوني لسؤاله عن أبعاد ما يحصل في أرتساخ وفي سواها؟ يقول “يريد الأتراك جعل المنطقة امتداداً لأذربيجان. فأردوغان لديه مشروع “عثمنة” وإذا راقبنا كيف يتصرف في منطقة الجولان ولبنان وفلسطين نكتشف انه يتصرف على أنه الوالي والمرجعية. فتركيا أنجزت منطقة حرة لكل السوريين المعارضين. انها تريد العودة الى الأمبراطورية العثمانية والى زمن حكمت فيه المنطقة طوال 400 عام. انها لعبة كبيرة. في المقابل يعتبر بوتين نفسه حامي الأقليات في المنطقة ولن يترك لا تركيا أو أذربيجان تسيطران على الأرمن. وإذا اقتضى الأمر سيتدخل عسكريا كما فعل في سوريا. الروس يجربون الحل السياسي لكن إذا اقتضى الأمر سيتدخلون عسكرياً. وما يحصل اليوم ليس إلا تسوية موقتة. وايران ترتاح الى وجود جوار سلم حولها. لذا، دعونا لا نستبق الأمور ولننتظر اقله الى الشهر المقبل” ويستطرد “المقاومة الأرمنية قديمة جداً من أيام الطاشناق والهنشاك، الحزبين اللذين بدآ كمقاومة مسلحة. لهذا لا أخاف أبدا على الأرمن، فهم قادرون على القتال والمواجهة في كل مرة يشعرون بها بتهديد ما. ومهما حاول أصحاب المصالح فلن يتمكنوا من الانتصار عسكريا على الأرمن. وكل من يعرف طبيعة الجبال الأرمنية الصعبة يدرك ما أتحدث عنه. هي جبال صعبة كما جبال لبنان، التي ارتضى العثمانيون ذات يوم إعطاءها الحكم الذاتي لأنهم لم يقدروا عليها”. هو الظلم التركي (لا الحلم التركي كما يسميه كثر) يجعل أصحاب الحقوق تحت نير هؤلاء.

 

أرمينيا لن تموت. الأرمن لن يهلكوا. لكن، ما يحصل أنهم يخسرون الجغرافيا بسبب خيانات داخلية. ويقول سيفاك أغوبيان “كانت مساحة أرمينيا التاريخية 300 ألف كيلومتر فأصبحت اليوم 29,743 كيلومتراً مربعاً. إنها تتقزم. وخريطة اليوم قزّمت ارتساخ مجدداً من 10 آلاف الى 3 آلاف وهذه إشارة الى أن هناك من لا يزال يلعب بالأرض والجغرافيا”.

 

 

هناك من يعتبر ما حصل هزيمة وهناك من يعتبره خيانة وهناك من اعتبره محطة ستعزز من جديد القومية الأرمنية في كل الدنيا. فيرا يعقوبيان تعتبر أن “التخلي عن أراضي الأرمن، تحت أي حجة، هزيمة، بدليل أن مدينة شوشي التي تم التنازل عنها اليوم تعتبر استراتيجية في كل المنطقة وليس فقط في قره باخ. الأرمن حاربوا تركيا وأذربيجان وقوات إسرائيلية ومرتزقة وحدهم. وها قد طعنوا في الصدر، من قلب البيت، بتوقيع رئيس وزرائها وثيقة إستسلام وخيانة. حصل هذا في لحظة زمنية تشهد فيها المنطقة تغيرات مهمة في كل القوقاز والمنطقة”.

 

من يعرف الشعب الأرمني يعرف أنه لا يستسلم. الإتفاقية حصلت. المصالح كثيرة. التغييرات التي قد تشهدها المنطقة مفتوحة. لكن الأرمن واثقون أنهم شعب لا يموت ولا يستسلم ولا يقبل بخونة في داره. فلننتظر، على ما دعا كريم بقرادوني، ما قد يحصل غداً. وإن غداً لناظره قريب.