IMLebanon

الأرمن والإنتخابات… حين يتراجع العدد يتراجع النفوذ

 

هل تتكرر نتائج أيار 2018 في أيار 2022؟

 

 

الأرمن “بيضة قبان” في الإنتخابات النيابية في لبنان. عبارة تتكرر في تاريخ لبنان الحديث. فمن يتحالف معهم في بيروت الأولى وفي المتن وزحلة يؤمّن الوصول ومن يختلف معهم يؤمّن غيره الوصول. وإذا كانت المقولة التي سادت ذات زمان “مش هيّن تكون لبناني”، كان اللبناني الأرمني يُحقق مقولة “مش هيّن تكون لبناني أرمني”. لكن، ها نحن قد دخلنا الى زمان جديد تحطمت فيه مقولات وبرزت حالات مختلفة تماماً. فماذا عن اللبناني الأرمني فيها إذا حصلت إنتخابات ايار 2022؟

 

بيّنت أرقام “الدولية للمعلومات” الجديدة في قارة أميركا الشمالية، وجود أعداد كبيرة من اللبنانيين من طائفة الأرمن الأرثوذكس والأرمن الكاثوليك، لكن نسبة من تسجّل منهم للمشاركة في انتخابات 2022 ضئيلة: 1,88 في المئة فقط لا غير أرمن أرثوذكس و0,61 في المئة فقط لا غير أرمن كاثوليك. فكيف يقرأ المتابعون مثل هذه النسب؟ لا إهتمام؟ لامبالاة؟ جفاء؟ عدم وثوق بإمكانية إحداث أي تغيير؟ وهل التراجع الذي لمسه القائمون على “الماكينات الإنتخابية” في الـ2018 سينخفض أكثر في ربيع 2022؟

 

فلنبدأ من “الدولية للمعلومات” وتحديداً من الباحث فيها محمد شمس الدين. فما رأيه بالنسب التي تمخّضت عنها الدراسة الجديدة؟ يجيب: “تراجع نسب من تسجلوا يدل على أمر من ثلاثة: إما أن لا إهتمام لهؤلاء في لبنان. أو وجود اختلاف بينهم وبين القادة الحاليين في لبنان. أو أن الإنتخابات برمّتها ما عادت تعني لهم شيئاً. فمن ستنبثق عنهم الإنتخابات “طالعين طالعين بلا جميل الإغتراب”.

تقصير حزبي

 

يلفت شمس الدين الى أن “اصوات الأرمن الأرثوذكس بالكاد أتت بنائبين أو ثلاثة من أصل خمسة في انتخابات 2018 وقدرتهم في الإنتخابات المقبلة ستكون أقل”، ويستطرد: “فلنركز على عدد المسجلين في الدوائر الثلاث التي فيها ثقل أرمني. ففي بيروت التي تضم اربعة مقاعد أرمنية، ثلاثة أرثوذكس ومقعد كاثوليك، سُجل 1270 أرمنياً. وفي المتن الشمالي حيث يوجد مقعد أرمني سُجل 894 أرمنياً بين أرثوذكس وكاثوليك. أما في زحلة حيث هناك مقعد أرمني واحد فتسجل 231 أرمنياً. ثمة ظاهرة واضحة في ثلاثتها. وربما سبب ذلك هو تقصير الأحزاب الأرمنية وعدم متابعتها الموضوع. ناهيكم ان هناك لبنانيين “أرمن” في الاغتراب باتوا ملتزمين اكثر بقضايا تهم أرمينيا”.

 

ما رأي مدير شركة “ستاتيستيكس ليبانون” ربيع الهبر؟ يجيب: “لم يفاجئنا الواقع الأرمني في انتخابات 2018، فعدد هؤلاء يتقلص باستمرار والآن الأمر الى زيادة. هناك أرمن كثيرون باتوا في مكان آخر، خصوصاً من غادر منهم الى أرمينيا وأصبح هناك “لمّ شمل” أرمني واستقروا في دولتهم، لذلك أصبح هناك شبه استحالة ولا سيما في وضع لبنان اليوم ليعودوا إليه. وهناك أرمن كثيرون في الإغتراب غير مبالين بالإنتخابات التي ستجرى”.

 

هل نفهم من ذلك ان الأرمن لن يعودوا “بيضة قبان” في مناطق ودوائر كانوا يُشكلون فيها فارقاً؟ يجيب الهبر: “ما أراه وفق الدراسات انهم ما زالوا اقوياء في المتن، خصوصاً الطاشناق منهم، ما زالوا يسيطرون على حضورهم، مع تسجيل حدوث هجرة كبيرة منهم كما كل الأطراف الأخرى في لبنان”. ويرى الهبر ان “الأرمن سيستمرون في المشهد الانتخابي المقبل اقرب الى “التيار الوطني الحر” مع وجود استقلالية اكبر من قبل لجهة التصويت مع سعد الحريري. وبالتالي سنراهم ضمن أحلاف اوسع في الانتخابات المقبلة. وفي بيروت الأولى سيكون لديهم ايضاً وجود وإن بأقل عدد من المقترعين. أما بالنسبة الى(النائبة المستقيلة) بولا يعقوبيان فلديها حاصل وهي لا تعتمد على أصوات الأرمن”.

الأرمن لهم حضور وسيبقى، ولكن ثمة ما تغيّر. فلنسأل الوزير السابق كريم بقرادوني. لماذا تدنت نسبة تسجيل اللبنانيين الأرمن في الإغتراب، في كاليفورنيا ولوس أنجليس على سبيل المثال، حيث يكثر وجودهم، الى هذا الحدّ؟ يجيب: “تبدّل الإهتمام كثيراً. أصبح مختلفاً عما قبل. الأرمن في الإغتراب همهم اليوم بات منصبّاً على الأرمن في أرمينيا. أصبحوا يركزون على الأرمن في الدولة الأرمنية أكثر من أرمن الشتات. هذا أولاً. ثانياً، في ما يتعلق بأرمن لبنان، فما يلفتنا هو أن الأرمن في الشتات ينصحون أرمن لبنان بضرورة الإنتقال الى الخارج. فأرمن لبنان، كما كل اللبنانيين، حيثما يذهبون ينجحون، ليس مالياً وإقتصادياً فقط بل سياسياً أيضاً”.

 

بقرادوني يرى أن اهتمام الأرمن عموماً في الإغتراب بات بأرمينيا أولاً. ويقول: “الارمن اللبنانيون يرسلون مساعدات بلا شك الى الداخل اللبناني لكنهم ينصحون أهلهم في لبنان بالإنتقال الى أرمينيا أو الى بلاد الإغتراب، إعتباراً منهم أن أزمة لبنان مرتبطة بمسألة الشرق الأوسط ولن تُحلّ إلا بحلٍّ يطال كل الأزمة، التي ستكون على الأرجح طويلة، لذا ليس ضرورياً مكوث الأرمن في هذه الفترة في لبنان”. كلام بقرادوني يجعلنا نطرح عليه سؤالاً: هناك من سيفهم بهذا الكلام وكأن الأرمن (كما حال كثير من اللبنانيين) ينسحبون في الوقت الصعب وهم طالما قالوا أنهم لبنانيون أرمن؟ يجيب: “يُفكّر الأرمن إقتصادياً وهم يلمسون أزمة الشرق الأوسط وحال الفقر الذي يضرب لبنان، لذلك نرى كثيرين منهم يستجيبون لنصيحة الأرمن في الشتات بالسفر الى حين تستقيم الأمور”. ويستطرد بالقول: “الأرمن في الداخل اللبناني ساعدوا في تطور لبنان كثيراً، ولم يأتوا ويسكنوا، كما وضع اللاجئين الفلسطينيين، على حساب لبنان أو الأمم المتحدة. أرمن لبنان يحبون لبنان وخيارهم كان دائماً لبنانياً لكنهم ما اعتادوا “مدّ اليد”. الأرمن منتجون لذا لا يمكن أن تشاهدي أي أرمني يجلس على الرصيف ويشحذ. كما استناداً الى إحصاء جرى ظهر أن الأرمن هم أقل جماعة تقصد المحاكم اللبنانية. فنادراً ما يرفع أرمني دعوى على ارمني لأن الأحزاب الأرمنية لها دور وتعمل على حلّ المشاكل التي تحصل في برج حمود”.

نرجع الى تدني نسبة من تسجلوا من الأرمن في قارة أميركا الشمالية لنسأل: أليس سبب ذلك تراخي الأحزاب الأرمنية في الخارج؟ يتحدث بقرادوني هنا عن وجود “لوبي أرمني” هو “الأقوى في أميركا لكن منذ أصبح لأرمينيا دولة أصبح اهتمامه منصباً على الأرمن في أرمينيا”.

 

ماذا عن توقعات كريم بقرادوني للمشهد الأرمني في انتخابات 2022 إنطلاقاً من الصورة الآنية؟ يجيب: “هناك تراجع في عدد الأرمن وهذا التراجع لا بُدّ أن يرتد أكثر فأكثر على الصوت الأرمني الذي سيضعف، وأتوقع أن يكون الرقم الذي سينتخب في 2022 أقل من عدد من اقترعوا في 2018، وبالتالي تأثير الأحزاب الأرمنية في الإنتخابات المقبلة سينخفض أيضاً لأنه حين يتراجع العدد يتراجع النفوذ”.

 

يتحدث كريم بقرادوني عن مشاعر قد تكون تجتاح “اللبنانيين الأرمن” اليوم بأن الإنتخابات لن تفضي الى تغيير، فقوى الأمر الواقع قادرة على التحكم بالإنتخابات”. وماذا عن الكلام حول تخاذل الأحزاب الأرمنية في حثّ الإغتراب على التسجيل للإقتراع في الإنتخابات اللبنانية المقبلة؟ يجيب بقرادوني: “الأحزاب الأرمنية منظمة أكثر من الأحزاب اللبنانية خصوصاً الطاشناق والهنشاك اللذين يعتبران الأقدم في العالم وهي تقف دائماً الى جانب الشعب الأرمني”.

 

ما رأي حزب الرامغفار بكل ما سبق ذكره؟ يجيب رئيسه سيفاك هاغوبيان: “حين نتحدث عن الأرمن نتطرق الى ثلاث نقاط: الناخب الأرمني، الدولة، والأحزاب”. ويشرح: “لست أكيداً ما إذا كانت الدولة مهيأة لحث الناس على التسجيل. كما ان الأحزاب لم تقم بكل ما عليها فعله، ربما لأنها ليست “قابضة” الإنتخابات جديّاً. أما لجهة الناخب الأرمني في الإغتراب فلست أكيداً ما إذا كان قد سجل اولاده في لبنان، ولا عن مدى تعلقه بلبنان، لأمرٍ بسيط جداً هو أنه ليس مثل اللبناني الذي ينتمي الى ضيعة وأهله في لبنان ويملك صكوكاً وعقارات، فالأرمني أتى وسكن الساحل. صحيح لدى الأرمن لبنانيون هاجروا نوستالجياً الى “لبنانهم” لكن ما حدث أخيراً جعل كثيرين يفكرون أبعد من الحدود الجغرافية اللبنانية”.

 

يتوقف هاغوبيان عند نقطة تتمثل بتدني إنتساب الأرمن الى أحزابهم ويقول: “من قبل كان الحزب يوجه الأرمني أما الآن فبات المواطن الأرمني يفكر أكثر وبات أقرب الى المجتمع المدني من الأحزاب”.

 

شيء ما تغيّر. لبنان كله يتغيّر. والأرمن لا بُدّ أن يُشكلوا هم أيضاً في المعادلة الإنتخابية المقبلة إنعكاساً، بشكل ما، لمشهد ما عاد نفسه.