Site icon IMLebanon

بال الطاشناق بجبران وبال جبران بـ”حزب الله”

 

لبنانية أولاد الـ”يان” تغلّبت على أرمنيتهم

 

أرمن لبنان. اللبنانيون الأرمن. بيضة قبان يسمّونهم، وحصان طروادة وما الى ذلك من مقولات وأوصاف صيغت في جملٍ وتعليقات وتحليلات في اليومين الماضيين عن نائب – صودف ربما انه أرمني – أغاظ جبران باسيل وخرج – أو قيل أنه خرج – عن طاعة الطاشناق. فهل «تكتك» أرمنياً أم أن الرجل تصرف بما أوحى به ضميره ورؤيته وارتباطاته اللبنانية؟ سهلٌ أن يُظلم. سهلّ أن يُقال أن اللبنانيين الأرمن حصان طروادة وسهلٌ أن يبتسم أحدهم ويقول: فعلها كورك جورج بوشكيان. لكن، ماذا عن إرتدادات ما فعل؟ ماذا بعد فصل جورج بوشكيان عن كتلة نواب الأرمن؟ وهل اللبنانيون الأرمن تغيروا؟ وهل حزب الطاشناق زمان ولّى؟

هو الوزير الملك. صفة لها وجهان، أحدهما جميل والآخر قبيح. هو سمعها و»عَبَس» في البداية ثم عاد وابتسم، فما لهم وله؟ هو فعل ما أراد لا ما يُراد أن يفعله. وهو الذي طالما أعلن وبالفم الملآن: أنا مرشح عن المقعد الأرمني في دائرة زحلة ولستُ مرشح الطاشناق عن المقعد. لن ندخل في القيل والقال لكن، من قصد البارحة مكتب الطاشناق، شاهد زحمة غير عادية. «الطاشناقيون» يبحثون عما يُبرّر ما فعله بوشكيان لألفِ سببٍ وسبب.

 

مع الدولة

 

أبعد من اللحظة، حال الأرمن في البلاد ليس أفضل حالاً، كما حال «الباسيليين». ثمة موقف أرمني نوعي حصل، لم يسبق أن جرى مثله منذ تاريخ مجيء الأرمن الى لبنان. هذا ما قاله المحامي كريم بقرادوني. فكيف يقرأ ما جرى؟ يجيب «منذ وصول الأرمن الى لبنان، منذ بدايات القرن الماضي، قرر حزب الطاشناق، وجارته بقية الأحزاب، عدم التدخل في الصراعات أو النزاعات اللبنانية – اللبنانية، ودعم الدولة. إنهم مع الدولة على الرغم من تبدل سياسات الرؤساء. وهذا موقف تاريخي اتخذوه. مرّت الأيام. وكان اللبنانيون الأرمن يشاركون في تحالفات، تتغير أحيانا، لكن الثابت فيها تأييد الدولة اللبنانية».

 

أحد الناشطين سابقاً في حزب الطاشناق له رأيه في الموضوع: «في أيار الماضي، واجه الأرمن، لأول مرة أيضاً، انحسار عدد نواب الكتلة الأرمنية. كانوا ستة في دورة الـ 2018 باتوا اليوم ثلاثة. ونتج عن ذلك بروز إنتقادات داخل حزب الطاشناق حول مواقف من يُمسكون به وخصوصاً هاغوب بقرادونيان الذي يحاول جمع الآراء لكن الخلافات استمرت. ومعلوم أن بقرادونيان وقف منذ العام 2005 الى جانب التيار العوني، قبل أن يصبح اسمه التيار الوطني الحرّ، واستمرّ طوال عهد الجنرال ميشال عون. صحيح أن خلافات كانت تدور أحيانا في كواليس العلاقة لكنها لم تبرز يوماً الى العلن كما يحصل اليوم. كان التيار والطاشناق يرتبان الخلافات عبر حوارات داخلية ويدرجانها في إطار «البيت الداخلي» حتى ولو لم يكونا واحداً. خرج الخلاف اليوم الى العلن على شكل انفجار لا مجرد شظايا، وتتم متابعته داخل حزب الطاشناق بتفاصيله، وهو لن يؤدي، بحسب مصادر في الطاشناق، الى انقطاع العلاقات بين التيار والطاشناق لكنه سيرسم إطاراً جديداً للعلاقة، وهذا ما عمل عليه وفدان من الطرفين لرأب الصدع الأخوي، أقله ظاهرياً. فما جرى شكّل محطة أساسية في تاريخ العلاقة بين الباسيليين والطاشناق».

 

ما رأي كريم بقرادوني بما سمعناه؟ يجيب «أعتقد ان التفاهم الكبير القائم بين الطرفين سقط وهناك الآن مرحلة جديدة يسعى إليها الطرفان لأن من مصلحتهما معا الوصول الى صيغة تعاون ما، خصوصا في هذا التوقيت الخطير».

 

جيل لبنان أولاً

 

يتحدث «الطاشناقيون» عن علاقة غير سوية بينهم وبين حزبهم وتحديداً بينهم وبين بقرادونيان نفسه، خصوصاً منهم أبناء وبنات الجيل الجديد الذي يُفكر لبنانياً أولاً وآخرا ويريدون تطوير حزبهم ليُصبح حزباً لبنانيا بنسبة مئة في المئة. عقلية الجيل الجديد تختلف عن عقلية أجيال سبقت، فهو لا يريد الدخول في محاور غير مقتنع بها وتهمه المسائل الإقتصادية والمالية والحياتية أكثر من السياسة.

 

نعود الى المحامي بقرادوني لنسأله عن ما سمعناه عن جيل لبناني- أرمني جديد؟ يجيب «يبقى هؤلاء الشباب والشابات مع الدولة اللبنانية التي أعطتهم ما لم تعطه أي دولة أخرى في العالم الى الأرمن، الذين تهجروا وخسروا وطنهم. صحيح أن الأرمن نجحوا في إرساء وزن إقتصادي وبنوا مؤسسات في كل العالم لكن المكان الوحيد الذي تمثلوا فيه كطائفة هو لبنان. سوريا اعطتهم هامشاً في الإقتصاد والمال لكنهم ليسوا جزءاً من القرار السوري أما في لبنان فبلى. وهذا ما جعل الرباط وثيقاً بينهم وبين لبنان».

يرفض بقرادوني تسمية «حصان طروادة» على اللبنانيين – الأرمن ويقول «اللبنانيون هم من تقرّبوا من الأرمن لاستمالتهم في اللعبة السياسية. تعاطى الأرمن بشكلٍ وثيق مع الراحل ميشال المرّ وهو كان يساعد حزب الطاشناق مالياً باستمرار وليس خلال الإنتخابات وحسب. علاقة الطاشناق مع الكتائب كانت أيضا من خلال تحالفات. مقولة حصان طروادة لا تطبق على الأرمني الذي أصبح جزءاً من المجتمع اللبناني، من التركيبة اللبنانية، مثلهم مثل أي حزب آخر. صحيح أنهم واجهوا في فترات وصولهم الأولى صعوبة في اللغة ما سبّب إنكماشاً لهم لكن الأمر تغيّر. الأرمن اليوم باتوا مقتنعين أنه إما أن يصبحوا لبنانيين مئة في المئة وإما أن ينتقلوا الى دولة أرمينيا، وما بدا خلال الأعوام الماضية ان لبنانية الأرمن أكبر من أرمنيتهم. لكن، صورة الأرمن الأوائل تبدو راسخة في أذهان بعض اللبنانيين وهي غير صحيحة أبداً».

 

إنتسب كريم بقرادوني إلى حزب الكتائب لا إلى الطاشناق أو الهنشاك. هناك كثير من الأرمن اليوم في الأحزاب اللبنانية وأصبحوا يفكرون كما يُفكر اللبنانيون تماماً. والتحالف الذي كان قائماً في المتن الشمالي بين الكتائب وميشال المرّ وحزب الطاشناق مثله مثل أي تحالف إنتخابي جرى بين أحزاب لبنانية وشخصيات سياسية.

 

الأرمن تغيروا. اللبنانيون يتغيرون أيضاً. ولبنان كله يتغير. والطاشناق الذي رسم لنفسِهِ مساراً أصبح مضطراً اليوم الى إعادة النظر فيه، فالقاعدة الأرمنية تفكيرها مختلف، وهواجس الطاشناق القديمة لم تعد موجودة عند الشباب الأرمني. فالأرمن كانوا يتحالفون مع الحزب الأقوى مسيحياً، تحالفوا مع التيار الوطني الحرّ الذي اعتبروه الأكثر تمثيلاً في العام 2005 وقبله تحالفوا مع الكتائب، ودائما تحت جناح الدولة. لكن، ماذا عن إمكانية تحالف الطاشناق مع القوات اللبنانية التي تمثل اليوم مسيحياً أكثر من سواها؟ يجيب بقرادوني «هذا التحالف بالنسبة الى الطاشناق غير سهل، حتى ولو كانت القاعدة الأرمنية ترى عكس ذلك» ويشرح «ثمة ما يفترض أخذه في الإعتبار وهو أن النهج الذي يعتمده الطاشناق لبنانياً ينعكس على الأرمن في الدول العربية المحيطة، على أرمن سوريا وأرمن العراق. وهذه كانت واحدة من المشاكل التي سبق واشتغلنا عليها طويلا أيام الرئيس الشهيد بشير الجميل، الذي لم يؤيده الطاشناق علناً آخذين في الإعتبار وضع الأرمن ومصيرهم في سوريا والدول العربية المحيطة. فهم موجودون في الحكم في لبنان حصراً وأي تصرف يقدمون عليه ينعكس على الأرمن الآخرين. وهم ما زالوا اليوم يعيرون انتباههم كي لا تضرّ تحالفاتهم الداخلية في لبنان بالمسيحيين في سوريا».

 

الأرمن مضطرون الى التحالف اليوم مع ما يرضي سوريا. هذا ما نفهمه. وبالتالي، لا بُدّ من إعادة ترتيب الطاشناق تحالفه مع التيار الوطني الحرّ اليوم، لأن ما حدث أخيراً لن «يعفو» عنه باسيل بسهولة، وبالتالي حزب الطاشناق اليوم في مشكلة أما باسيل فلا. حزب الطاشناق هو من يحاول منذ يومين تفسير ما حدث – بلا تبريرات طبعا – وأخذ خطوات يرضى عنها جبران بعد طلب المغفرة. أما الصورة التي جمعت الرجلين باسيل وبقرادونيان في إجتماع التكتل فتبقى مجرد صورة. مشكلة بقرادونيان اليوم كبيرة، فتحالفه مع التيار «على صوص ونقطة» ووضعه الداخلي سيئ. وبالتالي بال الطاشناق اليوم بجبران وبال جبران بحزب الله.