على وقع الاغاني الوطنية التي ارتبطت بانجازاته العسكرية الباهرة عندما اخترق خط بارليف، شيّع الجيش المصري أفراده الذين سقطوا في سيناء برصاص ارهابيين من اولاد البلد جندوا لاعمال، وحدها اسرائيل تفرح لنتائجها.
الجيش المصري، آخر الجيوش العربية وأقواها، يستدرج الى حرب صعبة ومدمرة تعميه عن دوره الوطني المفترض في حماية الحدود الملتهبة شرقا وغربا. معركة كهذه ليس من شأنها إلا أحد أمرين: تكريس عودة الدولة البوليسية واستنساخ السياسات القديمة التي ثار عليها الشعب مرتين او خلخلة الدولة وتقويض الثقة بها وبمستقبلها.
الجيش العراقي حل بقرار أجنبي ومنذئذ بلاد الرافدين غير موحدة. الجيش السوري دَمَّر (بالفتح) ودُمِّر (بالضم) وصارت بلاد الشام ساحات طائفية ومهرجانا دائما للالعاب النارية القاتلة. الجيش اليمني كان جيش العائلة وصار برحيلها عن السلطة جيوش القبائل والجهات المتناحرة . الجيش الليبي كان “كتائب” الزعيم صار ميليشيات للعصابات والمافيات. الجيش الجزائري لم تدمل جروحه بعد من العشرية الدموية. والآن جاء دور الشقيق الاكبر. جيوش صودرت الحريات وأنفس الناس من اجل اعلاء كعوبها على أهلها وصرفت المليارات على تسليحها تتحول في أقل من عقد، هياكل خاوية بلا هيبة وبلا معنويات، او عصابات نهب مسلحة تقتل على الهوية الطائفية او السياسية.
ليست المرة الاولى تتعرض فيها الجيوش العربية الكبرى لانتكاسة، هزمها أكثر من مرة الجيش الاسرائيلي المدعوم عالميا. لكنها هذه المرة تنتكس وتتراجع امام جيوش صغيرة منظمة تستمد جزءا من دمويتها وتخلفها الاعمى من الحقد الذي زرعته التوتاليتاريات البوليسية الحاكمة في مجتمعاتها. فهل الاسباب والاخطاء والامراض نفسها التي تركت هذه الجيوش مذلولة امام اسرائيل هي التي تجعلها اليوم ضعيفة ومتخاذلة امام “داعش” و”النصرة” و”القاعدة” و”انصار الشريعة” و”انصار بيت المقدس”؟
“داعش” واخواته تلقت ضربات لكنها لا تنفك عن توجيه الطعنات هنا وهناك. تلقى ارهابه هزيمة في كوباني وجرف الصخر وجبال سنجار. لكنه كأسطورة حيوان الهيدرا كلما قطع له رأس برز آخر وازداد شراسة. فحيناً يضرب في فرنسا واحياناً في القرن الافريقي وفي العريش وليبيا. أزال حدودا كانت مقدسة، غيّر خرائط وقلَبَ معادلات اقليمية ودولية وبدّلَ تحالفات، فيما الجيوش الكبيرة وخلفها انظمتها السياسية الراعية غارقة في عجزها وتقليديتها مستسلمة للقدر ورد الفعل منجرّة للعصبيات وترفض التسويات الضرورية لحل الازمات في الداخل وترضخ لمشيئة الخارج الممعن في تسييب ارضها وسيادتها ولا همّ لها سوى الحفاظ على المكتسبات الذاتية لقادتها وحماية سلطانهم… فهل أفل عصر الجيوش الوطنية العربية بعد سقوط الحدود الوطنية؟ وهل نستعد لاستقبال عصر جيوش الطوائف؟