IMLebanon

عملية تسليح الجيش تتطلب وقتا والأسلحة الأميركية ستصل قبل الفرنسية

لم يكن تسليح الجيوش يوما بالأمر السهل. بل هي عملية دقيقة جدا تتطلب تخطيطا واعدادا مسبقا وتنفيذها يأخذ وقتا ويكون على مراحل. وتزداد المهمة تعقيدا عندما يكون جيش في دولة تملك قدرات مالية محدودة وعلى حدوده دولة مثل اسرائيل تملك لوبي قوي يؤثر على صناع القرار في غالبية الدول المصنعة للسلاح. ولقد زاد اللغط مؤخرا حول تسليح الجيش اللبناني وكثر الكلام عن بطء عملية التنفيذ وتأخر وصول السلاح. ان الخبراء العسكريين الملمين بآلية تسليح الجيوش وكيفية عقد الصفقات غير متفاجئين من عدم استلام الجيش الأسلحة المشمولة بالصفقة الفرنسية الممولة من المملكة العربية السعودية. بل هم متفاجئون من سرعة اتمام مناقشة العقود والتوصل الى توقيعها خلال أقل من سنة من تاريخ بدء التفاوض عليها. فان عمليات تسليح من هذا الحجم تأخذ عادة بضع سنوات من التفاوض حتى التوقيع عليها، وتأخذ فترة التنفيذ ما بين عامين وثلاثة أعوام على الأقل. وللحكم على عملية التسليح الجارية في لبنان اليوم علينا أولا مراجعة المتطلبات ومسار الأمور.

تقرر القيادة العسكرية حاجاتها العسكرية بناء على الأخطار الآنية التي تواجهها وأماكن النقص في تجهيزاتها الحالية. وفي حالة لبنان الأولوية كانت واضحة وهي محاربة الارهاب والحفاظ على السلم الأهلي وحماية الحدود البرية والبحرية والجوية. ولقد وجد الجيش نفسه اليوم يواجه ما بات يعرف «بالحرب الهجينة» في معاركه مع داعش وجبهة النصرة. والحرب الهجينة هي الاسلوب الجديد في حرب العصابات في العصر الرقمي، بحيث يواجه جيش نظامي قوات غير نظامية تقاتل بأسلحة تقليدية ثقيلة ومتطورة بتكتيكات حرب العصابات بهدف السيطرة على مناطق جغرافية وضرب النظام الداخلي والتعايش المدني للدولة. أولوية الجيش في هذه الحالة الحصول على قوة نيران كثيفة وقدرة على المناورة السريعة والانذار المبكر. لذلك كان عليه الحصول على مدافع ميدان وراجمات صواريخ ومدافع هاون من أعيرة مختلفة لتأمين كثافة النيران البرية. ولعنصر المناورة يعمل على توفير اسطول مهم من طائرات الهليكوبتر لنقل عناصر القوات الخاصة وتجهيز عدد كبير من الآليات المصفحة الهجومية المعدة للأماكن الجبلية والجردية. كما يعزز الجيش اللبناني قدرته الجوية للانذار المبكر والاستطلاع لرصد حركة المسلحين وتوفير بث حي للمعارك لغرفة القيادة.

وما لا يعرفه العديد من الناس أن شركات الدفاع لا تملك مخازن من الأسلحة جاهزة للبيع. فهي تصنع حسب الكمية المطلوبة فقط. وعليه فان معظم الصفقة الفرنسية هي لأسلحة جديدة ومصنعة حديثا مثل طائرات الهليكوبتر والسفن الحربية وبعض الأليات وأنظمة الرادار. وبعض هذه المعدات بحاجة الى عام أو عامين للتسليم. كما أن تسليم المنظومة العسكرية لا يعني أنها ستدخل الخدمة في اليوم الثاني، خاصة اذا ما كانت منظومة جديدة لا يملكها الجيش. فعلى الوحدات المعنية أن تقوم بالتدرب على استخدامها لفترة من الوقت قبل أن تدخل هذه المنظومات الخدمة الفعلية بقطاعات الجيش. وهذا يتطلب فترة زمنية اضافية. لكن المعضلة اليوم هي أن الجيش اللبناني يواجه الخطر في هذه اللحظة ولا يستطيع الانتظار فما العمل؟

 هنا أتى الجواب عبر الهبة الاضافية من مليار دولار من المملكة العربية السعودية والتي اعطت الحرية للجيش للحصول على معدات وأسلحة جاهزة يمكن ادخالها الخدمة الفعلية فورا. كما أن الهبة السعودية حركت الماكينة الأميركية لتسليح الجيش والتي كانت تسير بسرعة بطيئة جدا خلال الأعوام الماضية. فمدافع ام-198 عيار 155-ملم والتي استلمها الجيش آخر الاسبوع الفائت كان قد طلبها الجيش اللبناني قبل خمس سنوات وكانت متوقفة بسبب حظر واشنطن تسليم أسلحة فتاكة للبنان والذي رفع مؤخرا. هذا بالاضافة الى أن الجيش اللبناني يملك اصلا ما لا يقل عن 36 مدفعا من هذا الطراز وعليه فان طواقم المدفعية لديه مدربة عليه وجاهزة لادخال المدافع 72 الجديدة الخدمة فورا.

وبما أن الجيش اللبناني يتفاوض منذ سنوات مع أميركا للحصول على أسلحة ومعدات ضمن برنامج المساعدات الخاص به فمن المتوقع أن يتم تسليم منظومات دفاعية أميركية بسرعة كبيرة مقارنة مع الأسلحة الفرنسية. فما يريده لبنان من أميركا موجود اصلا ضمن قوائم معدة منذ بضع سنوات يتم اليوم شراء بعضها من الهبة السعودية الاضافية والحصول على البعض الآخر مجانا من ضمن برنامج المساعدات الذي بلغ أكثر من 250 مليون دولار منذ عام 2008. هذا في حين أن فرنسا لم تقدم أي مساعدات عسكرية تذكر للبنان خلال السنوات الماضية رغم الوعود والتصريحات لمسؤولين فرنسيين ولبنانيين في هذا الصدد. فلقد اقتصر الدعم الفرنسي على دورات تدريب لضباط وبعض الذخائر.

ان أهم ما في الأمر هو اعداد العنصر البشري لاستخدام هذه المعدات والآليات والمنظومات الجديدة بفاعلية. ولذلك فان تدريب الكوادر البشرية واخضاعها الى تمارين ومناورات مكثفة يزيد من كفاءتها. ولكن ذلك لن يكون سهلا للجيش اللبناني المنتشر اليوم على كافة الأراضي اللبنانية يؤدي مهام أمنية متنوعة مما سيؤثر الى حد ما على برامج التدريب التي يريد تنفيذها. فسيكون على بعض القطاعات التدرب على استخدام تجهيزات وأسلحة جديدة ميدانيا خلال عملياتهم اليومية على الأرض، وهو لن يكون بالشيئ الجديد على الجيش المنهمك بمشاكل أمنية على امتداد الأراضي اللبنانية منذ تسعة أعوام. واذا ما أرادت الجهات السياسية تسهيل مهمة الجيش في استيعاب أسلحته الجديدة والاستعداد جيدا في حربه ضد الارهاب ومواجهة الأخطار الخارجية الأخرى، فعليها أن تخفف من خلافاتها وحقنها الطائفي للشارع لتخفف من التوتر الأمني الداخلي وتمكن الجيش من سحب آلاف العناصر يقومون بمهام أمن داخلي لدعم الجبهات على حدوده شمالا وشرقا وجنوبا.