في ظلّ احتدام الصراع بين حركة حماس و”إسرائيل” في قطاع غزّة والضفّة الغربية، وبين هذه الأخيرة وحزب الله عند الجبهة الجنوبية، أعلن وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي تعليق 30 رخصة تصدير أسلحة لـ “إسرائيل”، منها عتاد يُستخدم في صراع غزّة الحالي”، موضحاً أنّ “تراخيص التصدير التي سنُعلّقها تشمل مكوّنات لطائرات مقاتلة وطائرات هليكوبتر ومسيّرات”. فهل هو أسلوب جديد من الضغط البريطاني على “إسرائيل” لوقف حربها في غزّة، رغم أنّ لبريطانيا قواعد عسكرية في قبرص، تُمثّل مركزاً لجمع المعلومات الإستخباراتية وشبكة مراقبة لمنطقة الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط، ونقطة إنطلاق رئيسية لتنفيذ عمليات عسكرية واسعة ضد بعض الدول الإقليمية، يمكنها أن تتيحها لـ “إسرائيل” متى تشاء؟!
أوساط ديبلوماسية مطّلعة رأت في هذا القرار البريطاني نوعاً من الحدّ من القدرات “الإسرائيلية” في حربها في قطاع غزّة وعند الجبهة الجنوبية، وإن كان وزير الدفاع البريطاني جون هيلي قد سارع الى القول بأنّ “تعليق تراخيص تصدير أسلحة لـ “إسرائيل” لن يُهدّد قدرتها على الدفاع عن نفسها”. فالقوّات البريطانية والأميركية تدعم “إسرائيل” منذ عملية طوفان الأقصى في 7 اوكتوبر الأول 2023 وما قبل ذلك بكثير، وتُزوّدها بالأسلحة وبالمعلومات الإستخباراتية، مستخدمة قاعدتَي أكروتيري وديكيليا في قبرص.
كما أنّ القرار البريطاني هذا الذي قضى بإقرار حظر جزئي على تصدير بعض أنواع السلاح الى “إسرائيل”، الذي رحّبت به وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية واعتبرته “خطوة مهمّة في اتجاه تعزيز مبادىء القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان”، على ما أوضحت الاوساط، سيكون له تداعيات كبيرة على الدول الأخرى. فالدول الداعمة لـ “إسرائيل” والتي تُطالبها منذ فترة بضرورة وقف إطلاق النار في غزّة وجنوب لبنان، إذا حذت حذو بريطانيا، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية، تستطيع فرض وقف إطلاق النار على رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، الذي لا يُمكنه مواصلة القتال على جبهات غزّة وجنوب لبنان والضفّة الغربية من دون أنواع الأسلحة التي قامت بريطانيا بحظرها أخيراً.
وتقول الأوساط الديبلوماسية نفسها إنّ بريطانيا عكست إرادتها الصادقة التي تهدف الى خفض التصعيد، ودعم مسار التفاوض والحوار، من أجل التوصّل الى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزّة وجنوب لبنان، وتجنيب المدنيين المزيد من العنف والقتل والدمار. لهذا يُعوَّل كثيراً على الدول الأخرى، لفرض مواقفها الرافضة لاستمرار الحرب في المنطقة على “إسرائيل”، باعتماد الطريقة ذاتها. الأمر الذي يجعل “إسرائيل” تعي أنّ ثمّة تبعات دولية لما تقوم به من انتهاكات لقواعد القانون الدولي وحقوق الإنسان، ومن جرائم إبادة جماعية تُحاكم عليها في محكمة العدل الدولية في لاهاي. ويدفعها بالتالي الى الإمتثال للقوانين الدولية، والإلتزام بالحلول السياسية والديبلوماسية لتحقيق الإستقرار المستدام في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما تطبيق القرار 1701.
وذكّرت الاوساط بأنّ الدعم البريطاني الذي تتيحه القواعد العسكرية البريطانية في قبرص لـ “إسرائيل” لشنّها حربها الشاملة على لبنان، كان قد حذّر منه الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله، مهدّداً باعتبار قبرص حينذاك جهة مستهدفة في الحرب. ولهذا يُعتبر قرار بريطانيا الأخير، تراجعاً من قبلها عن دعم “إسرائيل” أو عن فتح المطارات والقواعد القبرصية لها، في حال قرّرت شنّ حرب موسّعة على لبنان، خصوصاً وأنّها تدعو الى خفض التصعيد في المنطقة. وهذا أمر جيّد يصبّ في مصلحة بريطانيا وقبرص ولبنان.
وإذ يجد “الإسرائيلي” في المقابل، أنّ “قرار بريطانيا يبعث برسالة ملتبسة لحماس وإيران”، أي كأنّه يؤيّدهما في صراعهما معه، مشيراً الى أنّ “إسرائيل” محبطة من سلسلة القرارات التي اتخذتها بريطانيا في الآونة الأخيرة”، اعتبرت الأوساط الديبلوماسية عينها أنّ ما أوضحه وزير الخارجية البريطاني عن أنّ “تعليق تراخيص صادرات أسلحة الى “إسرائيل” ليس حظراً شاملاً على السلاح”، وأنّ هذا الإجراء لن يكون له تأثير ملموس على أمنها، مؤكداً أنّ “لندن مستمرة في دعم حقّ “إسرائيل” في الدفاع عن نفسها وفق القانون الدولي، وأنّنا سنواصل العمل معها على التصدّي للتهديد الإيراني”، لم يُطمئن العدو.
فـ “الإسرائيلي”، على ما تابعت الاوساط، يخشى كثيراً من تراجع الدول الأخرى عن تسليحه مثل الولايات المتحدة وفرنسا وسواهما، أو أن تتمّ معاقبته في محكمة لاهاي على ارتكابه “جرائم ضد الإنسانية”، و”الإبادة الجماعية ضدّ الشعب الفلسطيني”، وأن تُرغمه على دفع التعويضات للشعب الفلسطيني، وهي طائلة جدّاً، في حال اُقرّت. فثمّة دول عديدة لم تؤيّد الموقف “الإسرائيلي” في هذه المحكمة، بل على العكس رفضته، وأيّدت الدعوى القضائية التي تقدّمت بها جنوب أفريقيا ضدّ “إسرائيل” في 29 كانون الأول من العام 2023، والتي يُطلق عليها رسمياً إسم “تطبيق إتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في قطاع غزّة”، وهي تدعمها للمرة الأولى وتقف ضدّ الإرتكابات “الإسرائيلية” في قطاع غزّة.