IMLebanon

التسلح في لبنان إلى أين؟

 

على الرغم من قرارات مجلس الوزراء اللبناني، يبقى سلاح الجبهة الشعبية – القيادة العامة (أداة النظام السوري) في الناعمة من دون أي متابعة، وكذلك السلاح الفلسطيني داخل المخيمات. وعلى الرغم من «إعلان بعبدا»، يبقي «حزب الله» سلاحه خارج إمرة الجيش اللبناني.

وإلى جانب هذا وذاك، يقيم على الأرض اللبنانية، مليون ونصف مليون لاجئ سوري، يمكن تشغيل بعضهم من قبل جهات سياسية وأمنية شتى، موالية للنظام السوري أو معادية له.

هذا ما أثار القلق والمخاوف عند مسيحيي لبنان وما دفع بعضهم للجوء إلى الحراسة الليلية في البلدات المسيحية وإن بالتنسيق مع الشرطة البلدية ومخابرات الجيش اللبناني.

وبفعل تطور مسار الأحداث الأمنية والعسكرية على الحدود اللبنانية – السورية، تقوم القوى السياسية المسيحية الموالية للنظام السوري و«حزب الله» بتوزيع السلاح، المعلوم المصدر، على مناصريها.

فهل ينزع من يسعى إلى حمل السلاح ثقته بالمؤسسات العسكرية والأمنية؟ وإلى ماذا يؤشر هذا الخروج على الدولة ومؤسساتها؟

ألم يكن الأحرى، بالقوى السياسية المسيحية المتحالفة مع «حزب الله»، ان تقوم برفع الغطاء عن مشاركته في الحرب في سوريا والطلب إليه العودة منها وتحييد لبنان عن هذا الأتون المشتعل؟ أم أن الإستسلام لمقولة «لولا مشاركة حزب الله العسكرية في سوريا لكانت داعش في جونية» هو أقصر الطرق لتحقيق غرض النظام السوري المتهاوي في العودة بلبنان إلى الحرب الأهلية؟

يعرّف ماكس فيبر الدولة بأنها «الأداة التي تحتكر ممارسة العنف الشرعي». فأين يقع توزيع السلاح من قبل حلفاء «حزب الله» على مناصريهم من هيبة الدولة ودور القوى المسلحة فيها؟

وهل الدفاع عن مصالح المسيحيين يتم بإضعاف دور الدولة ومؤسساتها؟ أم أنه الطريق الأقصر إلى رحلة هجرة جديدة؟ وإذا كانت إيران تدفع بالآلاف من أبنائها إلى ساحة القتال في سوريا، فهل كانت لتفعل لو كان النظام السوري على احسن حال؟ فهذا هو مساعد وزير الخارجية الإيرانية للقضايا العربية ينصح الولايات المتحدة الاميركية بالقول : «إننا غير متمسكين ببشار الأسد في رئاسة الجمهورية السورية إلى الأبد، إنما إسقاطه بالقوة يهدد أمن إسرائيل».

إن توزيع السلاح على المسيحيين في لبنان، ان هو إلا مؤامرة عليهم أولاً وعلى لبنان ثانياً.

فها هو دولة الرئيس سعد الحريري يعلن بالفم الملآن «بأن من يسعى لقتال الجيش اللبناني من أهل السنّة في لبنان سنقاتله نحن».

وعند سقوط يبرود والبلدات السورية المجاورة بيد «حزب الله» والنظام السوري، تدخّل دولته وطلب إلى الجيش السوري الحر عدم قصف البلدات الشيعية في البقاع الشمالي منعاً لإنتقال النار السورية إلى لبنان.

فأمن المسيحيين اللبنانيين وأمن لبنان يتحقق بإتفاق القوى السياسية اللبنانية على إبعاد النار السورية عنه، وإخراج «حزب الله» من هذا الأتون، لا بتوزيع السلاح المشبوه عليهم. فالقوى المسلحة اللبنانية هي الضامن الوحيد لأمن اللبنانيين، كل اللبنانيين.

ثمّ، أبتسهيل إنتخاب رئيس للجمهورية وتنفيذ «إعلان بعبدا» يحمى أمن اللبنانيين والمسيحيين منهم بشكل خاص أم بتوزيع السلاح عليهم؟

فبعد إلغاء «إتفاقية القاهرة» وإصدار «إعلان بعبدا» هل يجوز العودة إلى الوراء في موضوع حصرية السلاح بيد المؤسسات العسكرية اللبنانية؟

أيديولوجية «طحن الصخر» المارونية

في عام 1978 يوم كان النظام السوري يقصف الأشرفية، كتب الرئيس الراحل شارل حلو رسالة إلى الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، استحضر فيها قولاً من كتاب (La ville antique) «إن رجال قلائل يصنعون التاريخ» وأضاف : و«أنت منهم يا فخامة الرئيس».

وعبر التاريخ السياسي للموارنة في لبنان برز منهم رجال صنعوا التاريخ أمثال البطريرك إلياس الحويك الذي أسّس للبنان الكبير والرئيس فؤاد شهاب الذي رفض إنزال الجيش لفتح الأسواق في بيروت عنوة عام 1952 وذلك جراء الإضراب العام للمطالبة بإسقاط الرئيس بشارة الخوري، فتقدم بإستقالته قائلاً : «إذا كان الجيش لايقاتل آل دندش في الهرمل (رفض فؤاد شهاب حين كان قائداً للجيش إستكمال معركة عسكرية ضد طفّار الجرد من آل دندش، (بعد أن كان قد قُتل 11 عسكرياً وضابطاً منه)، ولا يفتح الأسواق في بيروت فها هي استقالتي».

والبطريرك مار نصرالله بطرس صفير الذي أيّد إتفاق الطائف رفضاً لاستمرار الحرب الأهلية اللبنانية عام 1989، وتحمل ما تحمل من أذى على ايدي أتباع العماد ميشال عون الذي غامر بلبنان مرتين، مرة مع صدام حسين ومرّة أخرى مع بشار الأسد، كما هي الحال راهناً.

فهل لصاحب الغبطة مار بشارة بطرس الراعي أن يأخذ قراراً تاريخياً من إنتخابات رئاسة الجمهورية فيطلب إلى الدكتور سمير جعجع سحب ترشيحه (وهو قد أبدى استعداده ضمن ظروف حدّدها) ومن ثم إلى العماد ميشال عون، واضعاً الرأي العام المسيحي واللبناني أمام مسؤولياته؟ فها هو الأب بولس نعمان يقول في كتابه «الموارنة إلى أين؟ «بأن مصير لبنان هو من مصير العالم العربي» والعالم العربي لايعني مطلقاً ولا يختصر بمصير الرئيس السوري بشار الأسد كما يريد العماد ميشال عون، رابطاً مصير رئاسته المفترضة والمستحيلة للجمهورية بالإستمرار المستحيل لرئاسة بشار الأسد.

فالشعوب العربية التي ثارت على الإستبداد السياسي مع الربيع العربي، لن تعود إلى القمقم وترضى بأي شكل من اشكال إستبداد الأنظمة البائدة ولا طبعاً الإستبداد الديني. فكفى هنا ايضاً أوهاماً حول «داعش» وأمثالها. إن هي إلا واجهة مزيفة وعابرة لحركة الشعب العراقي الثائر على الهيمنة الفارسية والذي لن يرضى بأن تكون بغداد، عاصمة الرشيد، مقرّاً لغرفة عمليات السيد قاسم سليماني. وكذلك فالشعب السوري لن يقبل أن تكون دمشق عاصمة للدكتور حسين عبد الأمير اللهيان (مساعد وزير الخارجية الإيرانية للعلاقات العربية) ينصب فيها رئيساً من يشاء ويعطي الأمن كما يشاء لإسرائيل على حد ما صرّح به أخيراً.

هل الحل هو بالتسلح والعودة إلى المغاور والكهوف «وطحن الصخر»؟ أهكذا يبنى الحاضر ومستقبل الموارنة والمسيحيين واللبنانيين بشكل عام؟