IMLebanon

فوضى «حزب السلاح» تستبيح الأرواح

إنه زمن الفوضى والتفلت، زمن السلاح القاتل غير الخاضع لسلطة الدويلات الخاصة القائمة على هدر الدماء وقتل الأبرياء، زمن استبيحت فيه كرامات الناس وأصبح فيه الموت يوزّع بالمجان داخل المنازل وعلى الطرق، مرّة تحت حجة حماية «الشبكات» و«المقدسات»، ومرّات تحت ذريعة حماية «المقاومة» وأمنها وقياداتها.

أمس الأول تحوّلت شوارع الضاحية الجنوبية إلى مسرح لآليات «حزب الله» العسكرية والتي استعادت معها صور ومشاهد من زمن الميليشيات والحرب الأهلية، فقد استفاق الأهالي هناك على ظاهرة ضجيج أصوات مركبات عسكرية رباعية الدفع تسير في الشوارع وبين الناس وقد رُكّزت عليها أسلحة رشّاشة متوسطة في مشهد يدل على عكس ما يدعيه الحزب من انضباطية عناصره وادعائه على الدوام عدم إظهار سلاحه الى العلن والتزامه السرية في عمله العسكري والأمني.

أمس الأول أُسقطت كل حجج «حزب الله» التي لطالما ادعى فيها أنه مشروع مقاومة في وجه العدو الإسرائيلي فقط، «التكفيريين» لاحقاً. سلاح انتشر في الشارع رافقه ظهور عربات عسكرية ودوريات مؤللة تشبه العروض العسكرية وذلك طيلة فترة «عاشوراء»، استعادت خلالها الضاحية الجنوبية بعضاً من نكساتها وجراحها على يد حزب حوّل ذات يوم معظم شوارعها إلى برك من الدماء، فإذ به اليوم يضخ فيها مشروعه الجديد المتمثل بالعبث بأمنها مجدداً من خلال اللعب على غرائز الشبان واستدراجهم لامتشاق سلاح قاتل تعددت وجهات استعماله وتبدلت أولوياته من حماية الحدود ومن ثم تخطيها باتجاه دولة جارة ليقاتل شعبها، الى قتل الآمنين لا سيما منهم الأطفال.

تحوّل السلاح المتفلت في بيئة «حزب الله» إلى لعنة متكررة لا تخضع لمراقبته كما يدعي. ظاهرة تكمل طريقها في حصد أرواح بريئة ذنبها الوحيد أنها تسكن داخل مربعات أمنية لا تخضع سوى لسلطة الحزب الواحد. بالأمس سقط الطفل الفلسطيني منير حزينة برصاص الحزب الطائش في منطقة «قصقص» لحظة تشييعه عدداً من مقاتليه في منطقة الغبيري، وبعد أقل من شهرين على الحادثة عاد رصاص الحزب الطائش ليقتل مجدداً طفلاً آخر في البقاع أثناء تشييعه أحد عناصره، الأمر الذي أعاد تسليط الضوء على ظاهرة السلاح المُتفشيّ والمُنتشر بوفرة بين أيدي عناصر الحزب، أو جهات يدعمها، لا شغل لها سوى ترويع الآمنين في بيوتهم حتّى أصبح لهذا السلاح عنوان أوحد وهو قتل الناس والاعتداء على كراماتها، في ظل غياب شبه كامل لقوّة تردع هؤلاء المُعتدين وتوقفهم عند حدّهم.

يداوم رصاص السلاح المتفلت عمله كالمعتاد في حصد أرواح الناس، ليقع الدور هذه المرّة على الشاب محمد محفوض الشرقاوي ابن الـ23 ربيعاً بعدما أصيب برصاصة طائشة في رأسه بسبب إشكال وقع بين مجموعة من الشبان في منطقة الشيّاح ليتحوّل هو الآخر إلى مجرد رقم يُضاف إلى لائحة ضحايا السلاح. والمفارقة في موضوع مقتل محمد، هي أنه قتل على يد عناصر تابعة للحزب أثناء إشكال وقع بينها وبين مجموعة شبان آخرين.

فوضى السلاح التي زرعها «حزب الله» في لبنان منذ سنوات طويلة ووزّعها بين محيطه وبيئته، لم تعد تقتصر على قتل الناس عن طريق العمد أو من خلال الرصاص الطائش، فقد تحوّل هذا السلاح إلى عامل أساسي في عمليات السرقة واختطاف الصغار والكبار مقابل مبالغ مالية، وآخرهم العنصر في الحزب مهدي نزهة الملقب بـ«مهدي الله» الذي قام منذ أيام باختطاف ضحيته الخامسة عبير الجاعور التي كانت نزحت مع عائلتها من مدينة «القصير» السورية باتجاه البقاع. وقد تمكنت القوى الأمنية من تحرير الفتاة لكنها لم تفلح في إلقاء القبض على نزهة الذي اختفى بلمح البصر بقدرة «حزب الله».

في العام 2012 رأى الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله خلال إفطار مركزي أنه «يمكن تنظيم فوضى السلاح إذا توفرت الإرادة لدى الدولة وكل القوى السياسية مع الحفاظ على المقاومة». واليوم يُجمع اللبنانيون من شمالهم الى جنوبهم على وجوب تنظيم فوضى السلاح التي انحسرت بشكل كبير في معظم المناطق اللبنانية ما عدا تلك التي تخضع لسلطة الحزب ووصايته وقانونه، فهل تكون البداية من الضاحية أو الجنوب أو البقاع؟. لكن في حقيقة الأمر فإن من يغطي عمليات إطلاق الصواريخ من لبنان الى خارج الحدود ومن يغطي عمليات القتل والذبح في سوريا ومن يدعو الى قلب أنظمة عربية ويساعد على خرابها عبر إدخال السلاح والمتفجرات اليها، ومن يعمل على تقويض السلطة في بلده ويمنع انتخاب رئيس جمهورية ويستأثر بالمؤسسات ويحوّل مرافئها ومرافقها إلى مؤسسات خاصة، لا يمكن أن يتخلى عن رصاصة واحدة فقط، فكيف الحال إذا كان المطلوب تسليم السلاح بحد ذاته، وهو القائل أيضاً إن السلاح أمانة في أعناقنا إلى حين الوصول الى عصر الظهور؟.

زرع فوضى السلاح في مناطق «حزب الله» يعتبر عاملاً أساسياً لعملية استقطاب الشبان ضمن منظمته العسكرية والأمنية. بطاقات أمنيّة توزّع بالمجان لقاء تعبئة استمارة انضمام الى «التعبئة العامة» أو «سرايا المقاومة». حامل هذه البطاقة لا يخضع للتفتيش على الحواجز ولا تتم مساءلته إلا بعد مراجعة قيادته. حامل هذه البطاقة يمكنه أن يقتل أياً كان برصاصة طائشة وتُمنع عنه المحاكمة. حامل هذه البطاقة هو عنصر في حزب «ولاية الفقيه»، ولاية لا تصدر عنها إلا القرارات «الصائبة».. وعادة ما تكون الإصابة في الرأس مباشرة.