IMLebanon

سوق السلاح “شغّال”… وتحت أعين الأجهزة الأمنية

 

مسدس الـ“Glock” مطلوب و”الكلاشن” مرغوب

 

لا يمر يوم الّا ونسمع عن خبر نشل من هنا وعملية سرقة من هناك وقتل دفاعاً عن النفس، وقد زادت هذه الأعمال نتيجة الحال الاقتصادية التي يشهدها لبنان. وبات واضحاً أنّ المواطن اللبناني لا يثق الّا بحمايته الذاتية، بحسب ما تؤكده حركة سوق السلاح اللبنانية. فما هي “القطع” الأكثر طلباً؟ وهل من تخوفات أمنية من تحوّل “الأمن الذاتي” الى حرب أهلية جديدة؟ “نداء الوطن” قصدت “المعلم” وهو أستاذ غير مجاز في تجارة السلاح.

في الطابق الأرضي في حي سكني مكتظ، يسكن “المعلم” كما يعرّف عن نفسه. لا تعرف عند وصولك الى موقعه على أي باب تقرع من كثرتها، ولا داعي للسؤال عن السبب، فأول ما يتبادر الى ذهنك هو سيناريو محاولة الفرار عند المداهمة. قرعنا أحد الأبواب الرئيسية في الوقت المحدد، وانتظرنا نحو دقيقة حتّى استقبلنا رجل كهل في السبعينات، غزا الشيب رأسه. إنه “المعلم”كما يُعرّف عن نفسه. يرفض اعطاءه صفة “تاجر سلاح”، فالبنسبة إليه التاجر هو من يدير صفقات كبيرة تتخطى ملايين الدولارات، بينما هو “وسيط” بين التجار و”الزبائن”. بلهجته المحلية بدأ سرد قصة حياته وتفاصيل مشاركته في مختلف الحروب والنزاعات الللبنانية. كان شاباً عندما عشق هواية شراء المسدسات الصغيرة وتنظيفها و”تخضيرها” (إعادة دهنها)، وبيعها لاحقاً بحُلة جديدة مقابل مبلغ يسيرمن المال. على هذا النحو، بنى تجارته أو “عشقه في الحياة”، كما يصفها.

 

التهريب الشرعي

 

جال “المعلم” في مختلف المناطق اللبنانية ليشتري ما تيسر له من أسلحة، وكان في بدايته يُركز على البنادق من الحرب العالمية الثانية مثل “المعدلة” الالمانية الطويلة و”FM36″، والـ”مسكوبية”، التي يطلبها الزبائن لتزيين جدران بيوتهم فيها. تطورت تجارته في ما بعد، وأصبح يشتري “الموجود” في السوق اللبنانية من أسلحة وذخائر مثل “الكلاشنيكوف” الروسي، و”M16″، إضافةً الى المسدسات من مختلف الأعيرة أي من 5,35 ملم، الى 7 ملم، و9 ملم. ولكن من أين تأتي هذه “البضاعة”؟ يقول “المعلم”: “نتعامل مع كبار التجار(منهم الحزبيون)، الذين يهرّبون الأسلحة من سوريا والعراق عبر المعابر غير الشرعية، أو حتّى عبر المرافق الشرعية”، وعند سؤاله عن تفاصيل التهريب “الشرعي”، يجيبنا “هيدي تركيلي ياها على جنب”. خلال معارك طرابس، ازدهر سوق السلاح وخصوصاً “الكلاشنيكوف” وقاذفات الـ”أر.بي. جي B7″، فالأزمات الداخلية في لبنان كفيلة برفع سعر السلاح في أي لحظة. وكانت عودة استقرار الوضع في الشمال، أحد عوامل ركود السوق. كذلك، إزدهر سوق الأسلحة مع الثورة السورية بشكل “مجنون”، ما أدّى الى رفع الأسعار، وتنشيط حركة البيع والشراء من والى سوريا. ويقول “المعلم” “تؤمن الأحزاب التي انخرطت بالحرب السورية الأسلحة الى لبنان وتبيعه الى كبار التجار، ونحن نشتريها منهم”.

 

خدمات متنوعة والدفع بالدولار

 

لا يخزن “المعلم” الأسلحة في منزله بكميات كبيرة خوفاً من المداهمات، مع العلم أنّ الأجهزة الأمنية تعرف غالبية “موزعي وتجار السلاح”، على حد قوله، وأنّ “غالبية عمليات الدهم تحصل وفقاً لمعايير معينة ولو بشكل غير ظاهر”. أمّا بالنسبة للبيع، فيأتي الزبائن عبر “وسيط”، ويضيف “لا أستقبل كل من يريد شراء “حبّة” (قطعة سلاح)، بل أبيع الزبائن المرسلين من قبل وسيط موثوق فيه مني؛ والبيع فقط بالدولار نقداً وعداً، خصوصاً في هذه الفترة. وقد يطلب “الزبون” منّا تغيير الرقم التسلسلي (Serial number) للسلاح، خوفاً من أن يكون قد استعمل في جريمة قتل أو أن يكون مسروقاً مثلاً. وهذه العملية أتقنها جيداً، وبقدرتي تغيير الأرقام بطريقة لا يمكن حتّى للخبير كشفها. كذلك، هناك من يطلب إزالة شعار القوى الأمنية من الأسلحة “الأميرية” (أسلحة الدولة) التي استولت الميليشيات عليها في خلال الحرب اللبنانية ولا سيما بندقية “فال” البلجيكية (تُعرف بالعبدة)، و”M16″ الأميركية، ومسدسات البكر من مختلف العيارات. كذلك، نهتم بتعديل الأسلحة من خلال نقلها الى مخارط خاصة لتصغير “القطعة” أو تغيير عيارها أو زيادة بعض “الأكسسوارات”، وفقاً لطلب الزبون وبالطبع “كل شيء بحقو”. وفي ما يخص الذخيرة (الطلقات)، فهي متوافرة دائماً بكميات كبيرة ويتبدل سعرها بحسب العرض والطلب. أمّا القنابل فسوقها ضعيفة ولا تزدهر الّا في حال النزاعات المسلحة، وتعود غالبيتها الى فترة الحرب اللبنانية، ونتجنب تجارة المتفجرات، لارتباطها بالارهاب”.

 

ماذا يشتري اللبنانيون اليوم؟

 

في ظل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والأمنية الصعبة، وزيادة عمليات النشل والسرقات، كيف تأثرت سوق السلاح اللبنانية؟ وماذا يشتري اللبنانيون اليوم؟ يقول “المعلم”: “يختلف شراء السلاح بحسب حاجته. فمن يريد حماية نفسه يقتني المسدسات والكلاشنيكوف و”M16″، بالاضافة الى “MP5″ والزخاروف اذا توافرا. بينما محبو عرض السلاح فيشترون الـ”12,7″ ملم أميركي، والـ”ماغ” والقناصات، والقاذفات الصاروخية أو المقنبلات ( مشتقة من قنبلة) مثل الـ “Law”، وتشكيلة مسدسات من مختلف الأعيرة النارية. أمّا اليوم، فالسوق المحلية ضعيفة بالنسبة للبنادق ويتراوح سعر “الكلاشنيكوف” مثلا بين 500 و1000 دولار بحسب تجهيزاته، ونشيطة جدّاً على مستوى المسدسات للحماية الذاتية، والتهافت كبير على مسدس “Glock 17″ و19، الذي يتراوح سعره بين الـ2700 و3000 دولار و”Cash”.

 

هل من بوادر حرب أهلية؟

 

روايات تجار السلاح وأخبارهم ليست غريبة على الأجهزة الأمنية، والكثير منهم معروفون عند الدولة، الّا أنّ هذه المعلومة لا ترتبط بالمداهمات التي تحدد وفق المعايير السياسية والمناطقية والطائفية والحزبية. ويشير مصدر عسكري الى أنّه “عند المداهمات تحفظ القوى الأمنية الأرقام التسلسلية للأسلحة بالداتا الخاصة بها، وعندما يطلب المواطن رخصة السلاح تتم مراجعة رقم “القطعة” وتُضبط اذا كان “سجلها” غير نظيف، وتُسجل اذا لم تشبها أي شائبة، وغالباً ما يعمد الأشخاص الذي يشكّون بـ”نظافة” سلاحهم الى ازالة الرقم التسلسلي عنه، وبالتالي لا يسجلونه نهائياً”. وعما اذا كانت الأجهزة الأمنية تدقق في مصدر السلاح قبل اعطاء الرخص فيجيب “لا، لا نسأل، فالسلاح أصبح من التراث اللبناني، وكل من نسأله عن مصدر الشراء يخبرنا بأنه ورثه عن جدّه”. على المستوى الأمني، يرى خبير أمني رفيع المستوى ومتابع لسوق السلاح أنّ “الحركة متوسطة ومنطقية في ظل الأوضاع المتوترة، اذ أنّ لا شيء يطمئن المواطن اللبناني سوى قدرته الذاتية على حماية نفسه. وبالفعل، دخل السلاح الى تراثنا اللبناني، وغالبية السلاح المنتشر ورثناه من أجدادنا نظراً لواقع بلدنا والدول المجاورة. وفي ما يتعلق بمخاوف التسلح والعودة الى الحرب الأهلية يشرح الخبير أنّ “قرار الحرب لا يتعلق بالمواطن الذي يحمل السلاح، بل هو قرار على مستوى الأحزاب الكبرى وفقاً لأجنداتها الداخلية والخارجية، والجهة الوحيدة التي يمكن أن تبدأ حرباً أهلية معروفة ومحددة وهي ليست بهذا الوارد الآن، أقله على المدى المنظور. ويختلف الوضع بين الحرب والنزاع المسلح الذي يمكن أن ينشب في أي لحظة ومن دون أي قرار فعلي، ولا سيما في المناطق التي تشهد خصومات حزبية أو طائفية. بشكل أوضح، يمكن القول إنّ لا خوف على الأمن في لبنان حتّى هذه اللحظة، والتخوفات الأمنية ناتجة عن الحرب الاقتصادية التي زادت عمليات السرقة، وبالتالي القتل للدفاع عن النفس أو العائلة أو البيت”.