IMLebanon

الجيش بين هِبَة سعودية وهِبَة إيرانية

أعلنت إيران خلال زيارة علي شمخاني، الوجه العلني المكمّل لقاسم سليماني، أنها تعرض مساعدات عسكرية كهبة إلى الجيش اللبناني، وأي هبة يمكن أن تعزز فاعلية الجيش في الأحوال الراهنة لا بدّ أن تكون مقبولة حتى لو جاءت من إيران. وكما هو معروف، فهذا ليس العرض الأول من نوعه، وإيران لا تستطيع، كدولة تحت عقوبات دولية بموجب البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، أن تصدّر أسلحة ومعدات عسكرية سواء بيعاً أو تبرّعاً. وبناء على ذلك، يمنع القرار الدولي نفسه الدولة اللبنانية، إسوة بسائر الدول، من التعاطي بالسلاح مع إيران. أما لماذا أمكن الإيرانيين أن يقدّموا أخيراً أسلحة إلى بغداد وأربيل، فلأن الحكومتين فيهما طلبتا، ولأن “التفاهم” الإيراني – الأميركي يوفّر التغطية.

غير أن الوضع اللبناني إشكالي بامتياز، لأن فيه دولتين، الأولى الشرعية المعترف بها ويحتاج جيشها إلى هبات، والثانية دولة “حزب الله” غير الشرعية وجيشها أكثر وأفضل تسلّحاً وتهب له إيران كل ما يلزمه من الألف إلى الياء. وعندما يأتي أي مسؤول إيراني إلى بيروت تكون زيارته بمسارين: العمل مع “حزب الله” والبروتوكول مع الدولة، وكل طرف يعلم كيف ينظر الآخر إليه لكنه يلعب اللعبة وكأن كل شيء “حسب الأصول”. ورغم أن قرارات الأمم المتحدة تدعو إلى نزع السلاح غير الشرعي وبسط الدولة (الشرعية) سلطتها وسيادتها على كامل الاراضي، إلا أن تقارير المتابَعَة للقرارات تشير باستمرار إلى عدم تنفيذها وحتى إلى استحالته.

طوال العقد الماضي راحت الدولة الشرعية تضعف أمام الدولة غير الشرعية، وتمكّنت الثانية من ترهيب مؤسسات الأولى، فتسلّطت الأضواء على المؤسسة العسكرية باعتبارها الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها لإعادة الاعتبار للدولة. نظرياً، هذا صحيح، فاللبنانيون يريدون الجيش عنواناً لبقاء الدولة وخروجها من وضعية الانحلال. عملياً، لا يستطيع الجيش تجاوز واقع الانقسام في المجتمع خصوصا إذا كانت “الدولة” الأخرى غير الشرعية تغذي ذلك الانقسام وتغتذي منه. ومع ذلك، لا خيار إلا بتعزيز الجيش، وهنا اعتُبرت الهبة السعودية خطوة في الاتجاه الصحيح، فأصحابها قالوا علناً إن هدفها تعزيز الدولة الشرعية. في المقابل، لا يُتوقَّع من إيران أن تتبنّى الهدف نفسه، طالما أنها ترعى “دولة حزب الله”.

منذ اللحظة الأولى لم يرحّب إعلام “حزب الله” بالهبة السعودية، واستخدم حيالها الكثير من التلفيق والتهكّم والتشكيك، خصوصا بعدما تأخر تفعيلها وتنفيذها، لكنه لم يطرح السؤال عن الأسباب الحقيقية للتأخير، لأنه يعرف الجواب: إيران و”حزب الله”… فحتى حين تتوافر الأموال لا يمكن تسليح أي جيش من دون النظر إلى مجمل الوضع الذي يعمل فيه. وحين تكون هناك منظومة سياسية – ميليشيوية مهيمنة وتحول دون انتخاب رئيس للجمهورية يؤتمن على الدولة، فإنها تحول أيضاً دون تسليح الجيش.