قطوع امني او مصيري آخر تجاوزه لبنان نهاية الاسبوع الماضي!؟
هذا ما تعتقده مصادر سياسية، وتعتبر ان جولة جديدة من المواجهات التي خاضها الجيش ضد مجموعات متطرفة انقضت بعدما بدا ان هذه المجموعات تحاول نقل المعارك من الحدود السورية الى الداخل اللبناني. لكن جولات اخرى قد تنتظر لبنان في المستقبل المنظور مع استمراره مفتوحاً على تداعيات الازمة السورية التي تتوالى من دون اي افق على حلول مستقبلية قريبة ومع تعذر حسم امني نهائي وجازم يقطع دابر عودة بروز هذه التنظيمات في لبنان.
لكن على رغم الكلفة البشرية الكبيرة التي دفعها الجيش بعدد شهدائه وجرحاه، فهو استعاد ثقة اللبنانيين بقدرته على الدفاع عنهم وحمايتهم على اثر النكسة النسبية التي يعتبر كثر انه اصيب بها من خلال خطف عدد لا بأس به من عناصره في آب الماضي في المواجهة التي وقعت في عرسال. فاذا كان من مغزى او من بعد مهم يمكن استثماره في هذا الاطار فهو اولاً: ان الجيش يستطيع الامساك بزمام الامور. وهو يستمر رهاناً صحيحاً لا غبار عليه ازاء التحديات التي يواجهها، وهو اثبت تماسكه في ظل هزات لا يستهان بها تمتحنه وتالياً هو لا يزال الضمان من اجل المحافظة على استقرار لبنان بالحد الادنى الممكن والتي على أساسها يمكن ان يحظى بالمزيد من الدعم الخارجي في اطار مساعدة لبنان على مواجهة الارهاب من جهة وعلى بقائه مستقراً امنياً من جهة اخرى.
وثانياً ان توافر الغطاء السياسي مهم بالمقدار نفسه لتوافر القدرة لدى الجيش وامتلاكه الاسلحة المناسبة والارادة للمواجهة. وقد اجهضت ثنائية الجيش اللبناني والغطاء السني السياسي، خصوصاً الذي توافر له مجدداً، تحويل لبنان ساحة إضافية للمعارك على وقع تداعيات الحرب السورية لا بل محاولة نقل المعارك من الحدود الى الداخل اللبناني. لم يكن الغطاء كلامياً او سياسياً، بل كان عملانياً بحيث اطمأن الجيش للغطاء السياسي له الحكومي وغير الحكومي، ما اتاح له مواجهة المتطرفين من دون هوادة في الوقت الذي دحض اركان الطائفة السنية عمليا الاتهامات المغرضة بالرغبة في احتضان التنظيمات الارهابية تحت غطاء دعم الثوار السوريين على رغم الشوائب التي تشكو منها هذه الطائفة . واذ شبه النائب وليد جنبلاط الموقف الداعم للرئيس سعد الحريري بموقف والده الرئيس رفيق الحريري المماثل في العام 2000 لدى دعمه الجيش اللبناني في أحداث الضنيه، فان الغطاء الذي وفّره الحريري الابن يكتسب دلالات مهمة في ظروف اكثر صعوبة واكثر تحدياً لوجود لبنان. وبهذا المعنى يكتسب هذا الغطاء دلالة بارزة في تحوله الركيزة الاساسية الضامنة للجيش والحامية لتحركه والذي لولاه لما احبط هذا التحرك بسهولة، خصوصا انه يتجاوز من حيث اهميته الغطاء من الحكومة وافرقائها السياسيين الاخرين. فالغطاء السياسي للافرقاء المشاركين في الحكومة مهم من حيث الاجماع على ان لبنان متفق على عدم السماح بنشوء تنظيمات متطرفة وتكتلها، لكنه يبقى ناقصاً من دون الغطاء السني من تيار المستقبل ورئيسه تحديداً. هناك شبه اجماع على اعتبار ان ما جرى في عرسال سابقاً وما جرى في طرابلس قبل يومين لا ينفصل عن تداعيات الازمة السورية وانعكاساتها على لبنان، خصوصا ان المد المذهبي يشعل المنطقة باسرها وليس لبنان وحده لكن هناك عوامل تتفاعل على وقع التوتر المذهبي السني الشيعي فضلاً عن الصراع السياسي المحتدم في المنطقة ايضاً. وهذا يترك آثاره البالغة على الطائفة السنية ومشاعر قسم كبير منها بحيث يتجاوز الحريري هذه المشاعر من زاوية اعلائه شأن لبنان وحمايته ومنع انزلاق البعض منها وراء اندفاعات عاطفية من اي نوع.
ولذلك تعتبر المصادر السياسية ان الحريري وتياره ربما يخاطران على المستويين الشخصي والسياسي في استمرار التشدد بقيادة السنة الى الاعتدال في ظروف بالغة الصعوبة وغير مساعدة له على صعد عدة داخلية وخارجية. فالامر اشبه بقيادة سفينة في ظروف هوجاء عاصفة ما قد لا يساعد في وصول السفينة سالمة في غالب الاحيان او ربما يساعد وصولها انما متضررة. اذ سيكون صعباً جداً الصمت على مشاركة “حزب الله” في الحرب السورية وانعكاس ذلك على لبنان ومدنه وقراه في عرسال او بريتال من دون اثمان سياسية في المقابل. وسيكون صعباً استمرار دعم الجيش كلاميا من بعض الافرقاء من دون نقل هذا الدعم الى المستوى التنفيذي العملاني. فهناك مسؤولية يراها هؤلاء تقع على الافرقاء السياسيين الآخرين في المساعدة لانقاذ لبنان وحمايته، وعليهم المساهمة بذلك بأكثر من المواقف الكلامية الداعمة للجيش. يضاف الى ذلك ان ما تحتاج اليه طرابلس وعكار على نحو خاص هو جواز نقلهما من العناية الفائقة الامنية في المرحلة المقبلة الى العناية الفائقة الانمائية اجتماعياً واقتصادياً. فمنطقة الشمال لا يمكن ان تبقى وكأنها من خارج لبنان مثلا ولا صلة لها به من حيث مدى الفقر والحرمان اللذين يرخيان بظلهما بقوة على مناطق واحياء في طرابلس وكذلك على قرى وبلدات عكار. فكون الجزء الاساسي من المواجهات الاخيرة وما قبلها يتصل بانعكاسات الازمة السورية، فان ذلك لا يعفي المسؤولين من مهمة محاولة الالتفاف على استغلال ظروف هذه المنطقة عبر انماء واهتمام ينزع فتيل هذا الاستغلال.