IMLebanon

معادلة البطريرك وقَسَم الجنرال

 

لم يحدث في تاريخ الجيش اللبناني أن وصَل مدير المخابرات إلى قيادة الجيش، لكن «المدير» كان في أحيان كثيرة يتساوى في الأهمية وأحياناً الرهبة، مع «القائد». الذاكرة السياسية اللبنانية تحفظ أسماء مديري المخابرات بمقدار، وربما أكثر، ما تحفظ أسماء قادة الجيش، يذكرون العقيد غابي لحود والعقيد جوني عبدو، ويذكرون العميد سيمون قسيس، ولاحقاً العميد ميشال رحباني والعميد جميل السيِّد معاً، ولهذه الثنائية قصة لها علاقة «بالولاء والأداء».

 

اليوم كانت هناك محاولة لكسر القاعدة: أن يُصبِح مدير المخابرات العميد طوني قهوجي قائداً للجيش، هذه من ضمن مخططات رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، في محاولةٍ منه لإصابة أكثر من عصفور في حجرٍ واحد:

 

أول «العصافير» محاولة دق إسفين بين «القائد» و»المدير»، علماً أنّ كثيرين يحسدون الإثنين على العلاقة المتينة بينهما والتي لا تشوبها شائبة، ويضحك كثيراً مَن يقرأ أنّ طرح إسم العميد قهوجي لقيادة الجيش هو لوضع مسافةٍ بينه وبين قائد الجيش.

 

ويُذكِّر متابعون أنّ إسم العميد طوني قهوجي لم يكن يوماً خيار النائب جبران باسيل، فالعميد قهوجي انضباطي جداً وولاؤه للمؤسسة، وهذا لا يناسب كثيراً باسيل الذي يريد أن يتدخَّل في التعيينات الحساسة في المؤسسة العسكرية، لذا كان طرحه من الأساس أن يتولى العميد بيار صعب مهام قيادة الجيش، هذا الطرح دونه إشكاليات يعرفها جبران باسيل قبل غيره، لكن ما هَم طالما أنّ الهدف عدم التمديد للعماد جوزاف عون.

 

جاءت جرعة الدعم من العماد ميشال عون بأنّ التمديد لن يمر إلا على جثته، فكان الرد من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وفي هذا الرد نقيض كامل لقسَم الجنرال، يقول الراعي: «من الواجب عدم المسّ بقيادة الجيش العليا حتى انتخاب رئيس للجمهوريّة. ولا يجوز الاعتداد بما جرى في مؤسّسات أخرى تجنباً للفراغ فيها. فالموضوع هنا مرتبط بالحاجة إلى حماية شعبنا».

 

في هذا الموقف أرسى البطريرك الراعي معادلة جديدة قوامها عنصران: العنصر الأول الإبقاء على الوضع الحالي في قيادة الجيش العليا «حتى انتخاب رئيس الجمهورية» ما يعني أنّ الأمر ليس مرتبطاً بستة شهور أو بسنة بل حتى انتخاب رئيس. والعنصر الثاني أنّ ما طُبِّق في الأمن العام لا يُطبَّق في الجيش.

 

في المعلومات، أنّ المعادلة التي أرساها البطريرك الراعي عن «عدم المس بقيادة الجيش العليا حتى انتخاب رئيس للجمهورية» مأخوذة مما كان سيصدر عن مجلس الوزراء في جلسته الثلاثاء الفائت، وهذا ما كشفه أحد الوزراء، والحجة في ذلك أنّه ماذا لو انتخب رئيس بعد شهر أو شهرين، فإنّه سيكون متعذراً على مجلس الوزراء تعيين قائد جديد للجيش قبل انتهاء مهلة تأخير التسريح، وبناءً عليه قُرّ الرأي على وضع نص «حتى انتخاب رئيس للجنهورية»، لكن في كل الأحوال لم تنعقد الجلسة بسبب إبلاغ «حزب الله» إلى الرئيس ميقاتي عدم سيره بتأجيل التسريح بعدما طلب ذلك شخصياً العماد ميشال عون.

 

هكذا، فإنّ قيادة الجيش باتت بين معادلة البطريرك وقَسَم الجنرال، فلمَن ستكون الغلبة؟