يصحو اللبنانيون يوماً على تقدّم خيار تعيين قائد جديد للجيش ليستيقظوا في اليوم التالي على تقدّم خيار التمديد للعماد جوزاف عون. وإذ لا تزال الخيارات كلّها قائمة وغير محسومة، يبدو أنّ رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل و»حزب الله» غير «مستعجلين» للوصول الى صيغة توافقية نهائية لهذا الموضوع، بحسب مصادر متابعة للملف.
إنطلاقاً من ذلك لم يدعُ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الى جلسة لمجلس الوزراء لبت هذا الموضوع خلال هذا الأسبوع. وترجّح المصادر نفسها، في حال لم يجرِ التوافق على إيجاد مخرج لقيادة الجيش في الحكومة قبل نهاية تشرين الثاني الجاري، أن تنتقل الطابة الى ساحة البرلمان، إذ من المتوقّع أن يكون معظم الوزراء خارج البلد في شهر الأعياد (كانون الأول المقبل).
وإذ يستند ميقاتي الى الدراسة الدستورية – القانونية التي أعدّها الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية، منعاً للفراغ في قيادة المؤسسة العسكرية بعد انتهاء ولاية عون بإحالته على التقاعد في 10 كانون الثاني 2024، من المطروح أن يضع ميقاتي هذه الدراسة على طاولة الأفرقاء السياسيين المُمثّلين في الحكومة، خلال اجتماع تشاوري مع الوزراء، قبل الدعوة الى جلسة، فالجلسة رهن التوافق المسبق وليست لـ»تفجير الواقع السياسي»، بحسب مصادر قريبة من ميقاتي.
يبقى «العائق» الأساس أمام التمديد لقائد الجيش من دون هذه «الضجة»، إصرار باسيل على «كسر» القائد وقطع الطريق أمامه الى بعبدا. باسيل الذي خاض ويخوض معارك مع رؤساء حكومات وقوى سياسية دفاعاً عن صلاحيات رئيس الجمهورية، لا ضير بالنسبة إليه في تعيين قائد جديد للجيش اللبناني في ظلّ الشغور الرئاسي، في حين أنّ هذه واحدة من الصلاحيات – الأعراف القليلة المتبقية المخصّصة لرئيس الجمهورية. ولا مشكلة لدى المدافع عن «حقوق المسيحيين» في السير عكس «التيار» المسيحي الداعي الى التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون، بدءاً من البطريركية المارونية.
في المقابل، كلمة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي واحدة: لا للمس بالقيادة ولا لتعيين قائد جديد للجيش قبل انتخاب رئيس للجمهورية.
وتؤكد مصادر كنسية أنّ البطريرك يقوم بواجباته تجاه البلد وسيستمرّ في رفع الصوت، إذ في حال هناك «من لا يريد أن يسمع»، لا يُمكن للبطريرك أن «يجلب له الشرطة» ولا أن يتوقف عن استقباله أو أن يلقي عليه الحرم الكنسي، فهو لا يدخل في هذه الأمور. هو يتكلّم وكلّ جهة تعرف مسؤولياتها، وغايته ليست الحُكم على أحد، لكنه لن يتراجع عن موقفه.
بنبرة غضب تردّ هذه المصادر الكنسية على من ينتقدون تمسُّك البطريرك بـ»الشخص»، أي بقائد الجيش، وتقول: «هؤلاء مش فهمانين شي من الموضوع»، مشدّدةً على أنّ «هناك مبادئ، ورئيس الجمهورية هو من يعيّن قائد الجيش، فلماذا نعيّن قائداً في غياب رئيس للجمهورية في وقتٍ هناك طرق ثانية تؤمّن الاستقرار في هذا الموقع؟».
هذا الكلام يُحيل الى «الخشية» المسيحية الأساسية: مزيد من تهميش في الموقع الماروني الأول في الدولة. وإذ «ترخص» رئاسة الجمهورية وصلاحياتها بالنسبة الى باسيل في سبيل «ربحه» المعركة ضدّ قائد الجيش، ويحاول أن يستغلّ عدم رغبة «حزب الله» في «زعله»، تتصدّى البطريركية والأحزاب المسيحية الأخرى لهذه الممارسة ولمحاولة «ضرب» موقعين مارونيين أساسيين بـ»حجرِ» واحد: الرئاسة وقيادة الجيش. بالنسبة الى حزب «القوات اللبنانية»، إنّ الأساس «أكل العنب وليس قتل الناطور».
وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري أكد لوفد تكتل «الجمهورية القوية» أنّه، حتى آخر تشرين الثاني الجاري، سيسعى الى تمرير التمديد عن طريق الحكومة من خلال تأجيل تسريح قائد الجيش، وبالتالي إنّ الأمور لا تزال مفتوحة. أمّا إذا لم تفلح الحكومة بتأجيل التسريح حتى آخر تشرين الثاني، سيتولّى البرلمان هذه المسألة.
وعندما يصبح ملف قيادة الجيش في ساحة مجلس النواب، «لكلّ حادث حديث»، بالنسبة الى «القوات»، وحينها يجري البحث في الطريقة والآلية والسبل للتمديد. أمّا كيف يمكن أن يتبلور التمديد، وإذا كان من خلال بند وحيد أم من خلال عشرة اقتراحات أو أكثر أو أقل، وماذا سيكون دور التكتل وكيف ستكون مشاركته في الجلسة إذا تمّت الدعوة إليها.. فكلّ ذلك يُبحث في أوانه. وفي كلّ الحالات لا تقارب «القوات» المسألة من زاوية أنّها أقدمت على «تنازل»، وليست مسألة التمديد لقائد الجيش «ربحاً وخسارة» بالنسبة إليها، بل «مصلحة الدولة العليا» أبعد من اليوميات والسجال السياسي، ومرتبطة بآخر عمود للإستقرار في لبنان يتعلّق بالمؤسسة العسكرية، ويجب الحفاظ على تراتبية المؤسسة في هذا الظرف الانهياري الحربي «الشغوري».