Site icon IMLebanon

قيادة الجيش بين ميشال عون وجوزاف عون

 

بين قيادة العماد ميشال عون للجيش وقيادة العماد جوزاف عون فوارق كثيرة في طريقة الوصول وفي التركيبة الشخصية والأهداف، وفي الظروف وفي الإدارة والتحكّم. بعد إمساك الأول بالقيادة وتحويل ولاء المؤسسة إلى تبعية شخصية في طريق الوصول إلى السلطة والرئاسة، يمكن فهم السبب الذي يجعله يحارب العماد عون الثاني في قيادته وفي التمديد له وفي محاربة احتمال وصوله إلى رئاسة الجمهورية.

في لقاء الفطور الذي جمع المرشحين لرئاسة الجمهورية، رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، عند الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، عرض الأخير على باسيل انتخاب فرنجية مقابل أن تكون له حصة وازنة في اختيار موظفي الفئة الأولى ومن ضمنهم قيادة الجيش. ولكن باسيل كان ولا يزال يسعى إلى أن يكون هو مرشح «حزب الله»، وأن يحظى بذلك بقرار التعيينات واختيار «عدّة» الحكم، ولذلك لم يوافق على انتخاب فرنجية. وكذلك قيل إنّ فرنجية لم يوافق على أن تطلق يد باسيل في هذه التعيينات لأنّه يرفض أن يكون مجرّداً من صلاحياته بحيث يتحوّل باسيل إلى الحاكم الفعلي للجمهورية ويلعب الدور الذي كان يلعبه طوال عهد الرئيس ميشال عون.

 

لم يتخلَّ باسيل عن طموحاته الرئاسية على رغم اللقاء الذي جمعه مع فرنجية في بنشعي بعد بدء الحرب في غزّة، ولم يتخلّ عن محاولة استغلال التطورات لتمرير مطلب تعيين قائد جديد للجيش يسميه هو، أو منع التمديد للعماد جوزاف عون معتبراً أنّ الضابط الأعلى رتبة يمكن أن يحلّ محله.

 

مرشح باسيل أو الفوضى؟

 

إذا كان فرنجية رفض سابقاً إعطاء باسيل هذا الإمتياز فلماذا يقبل به بعد محاولة الأخير فرض خياراته من ضمن ما يشبه عملية الإبتزاز، من خلال تمسّكه برفض وزير الدفاع العميد موريس سليم اقتراح التمديد لقائد الجيش، وإقفال الباب أمام تعيين رئيس للأركان، وكأنّه يريد أن يخيِّر الجميع بين الفوضى في القيادة وبين القبول بما يعرضه؟ ولماذا يقبل رئيس مجلس النواب نبيه بري باقتراح باسيل وهو الذي عارض وصوله إلى رئاسة الجمهورية وعارض انتخاب العماد ميشال عون لأنّه لم يكن يقبل بأن ينتخب «رئيسين»؟ ولماذا يقبل به رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي يختلف مع باسيل على إدارة الدولة بعد الفراغ الرئاسي؟

 

طرحت مسألة الفراغ في قيادة الجيش قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون وقبل انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. ذلك أنّ تاريخ إحالة العماد جوزاف عون إلى التقاعد في 10 كانون الثاني المقبل كان معروفاً. والفراغ في قيادة الجيش لا يشبه الفراغ في الوظائف الأخرى، من رئاسة الجمهورية، إلى حاكمية مصرف لبنان، إلى المديرية العامة للأمن العام، وغيرها في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أو أمن الدولة أو النيابة العامة التمييزية ومجلس القضاء الأعلى.

 

إذا كانت التوقعات تحدّثت، منذ أشهر، عن خطر احتمال دخول لبنان في حالة الفوضى الشاملة الأمنية والعسكرية إذا لم يُحسَم موضوع قيادة الجيش بتعيين قائد جديد، أو رئيس للأركان، أو التمديد للقائد الحالي، نتيجة تفتّت المؤسسة العسكرية وتعدّد القيادات الآمرة فيها، فإنّ هذا الخطر صار مضاعفاً اليوم نتيجة التطورات الحاصلة في المنطقة بعد عملية «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول الماضي، وردة الفعل الإسرائيلية والدولية، واندلاع الإشتباكات على جبهة لبنان الجنوبية بين «حزب الله» وإسرائيل، واحتمال تدحرج الوضع إلى حرب واسعة في أي لحظة في ظلّ التهديد الإسرائيلي بتدمير لبنان. وفي ظلّ مثل هذا الوضع لا يصحّ استسهال اللعب بموضوع الجيش وقيادته واستخدام الموقع لخدمة أهداف شخصية صغيرة في مرحلة خطيرة يُطرَح فيها موضوع تغيير خرائط المنطقة وأنظمتها.

 

قيادة بين عماديْن

 

لم يتصرف العماد جوزاف عون في قيادة الجيش وكأنّ المؤسسة في خدمته وخدمة أهداف محددة يريد أن يستغلّها للوصول إلى قصر بعبدا. العماد ميشال عون هو الذي سلك هذا الطريق.

 

أصبح العماد ميشال عون قائداً للجيش في العام 1984 بعد التحول الكبير في سياسة الرئيس أمين الجميل وزيارته إلى سوريا، بعد حرب الجبل عام 1983، وانتفاضة 6 شباط 1984 في بيروت والضاحية الجنوبية، وتكليف الرئيس رشيد كرامي تشكيل حكومة وحدة وطنية، واستبعاد قائد الجيش العماد ابراهيم طنوس. منذ ذلك التاريخ بدأ عون يبني سلطته المستقلّة داخل الجيش الذي كان تعرّض لانشقاق كبير نتيجة الحرب وتكوين ألوية طائفية درزية وشيعية وسنية، ولكن القوة الأبرز بقيت خاضعة للقيادة في اليرزة وتمثّلت بالألوية والوحدات المقاتلة التي كانت تنتشر على الجبهات وتتقاسم المسؤولية فيها مع «القوات اللبنانية».

 

خلال أربعة أعوام استطاع عون أن يخلق عصبية عسكرية حوله في القيادة بحيث عمل منذ بداية العام 1988 على التمهيد للوصول إلى قصر بعبدا بعد انتهاء ولاية الرئيس الجميل ومنع انتخاب أي رئيس غيره، وبنى استراتيجيته على التحريض ضد «القوات اللبنانية»، والميليشيات، من دون أن يراعي مسألة خطورة الخلافات بين الطرفين على الأرض التي كانا يشتركان في تقاسم خطوط الدفاع عنها.

 

إستفاد عون من تعطيل انتخاب الرئيس قبل 22 أيلول 1988 ليصبح رئيساً للحكومة العسكرية بموجب المراسيم التي أصدرها الرئيس الجميل قبل دقائق من انتهاء ولايته. وهذا الأمر أمّن له الإمساك بالقرار السياسي والرسمي، والإحتفاظ بقيادة الجيش وبوزارة الدفاع. هذه المرحلة قادت إلى أكبر نكسة تعرّض لها الجيش والمسيحيون نتيجة حرب التحرير التي شنّها عون واتبعها بحرب الإلغاء ضد «القوات» قبل أن يلجأ إلى السفارة الفرنسية في 13 تشرين الأول 1990، ويترك الجيش يقاتل من دون قيادة ويستسلم أمام قوات جيش النظام السوري التي دخلت إلى القصر الجمهوري ووزارة الدفاع.

 

من عهد الوصاية إلى التوازن

 

على مدى 15 عاماً تحكّم النظام السوري بعملية إعادة تركيب الجيش اللبناني. وكان قائد الجيش العماد إميل لحود عنواناً لهذه المرحلة منذ تعيينه بهذا الموقع بعد انتخاب الرئيس الياس الهراوي عام 1989، ثم بعد انتخابه رئيساً للجمهورية عام 1998. وقد حُكي كثيراً عن تغيير عقيدة الجيش القتالية، وعن التحكّم بكلّ التعيينات العسكرية والأمنية في محاولة لجعل الجيش فصيلاً تابعاً للجهاز الأمني اللبناني السوري.

 

منذ العام 2005 بدأت محاولة إعادة الهوية اللبنانية المستقلّة للجيش بعد انتفاضة 14 آذار لجعل دوره متوازناً في المسائل الداخلية، في ظلّ ما كان تبقّى من ولاية العماد ميشال سليمان الذي رفض تنفيذ رغبة السلطة السياسية في قمع تلك الإنتفاضة.

 

بين العام 2005 والعام 2017، تاريخ وصول العماد جوزاف عون إلى القيادة، لعب الجيش أدواراً كثيرة في حفظ الأمن الداخلي والإستقرار. من معارك نهر البارد إلى مواجهة خطر التنظيمات الأصولية في عرسال وجرود القاع ورأس بعلبك عام 2014.

 

إذا كان الرئيس إميل لحود انتقل إلى قصر بعبدا من قيادة الجيش في اليرزة، وإذا كان العماد ميشال سليمان سلك الطريق نفسه ولكن في ظروف مختلفة كلياً، فإنّ هذا الطريق لم يتمكن العماد جان قهوجي من عبوره ذلك أنّه في موقعه في القيادة كان ينافسه عماد سابق هو العماد ميشال عون الذي تمسّك «حزب الله» بترشيحه على مدى عامين ونصف من الفراغ الرئاسي، من دون الإلتفات إلى الكلفة التي رتّبها هذا الفراغ على الدولة والمؤسسات.

 

عندما اختار عون الرئيس أن يكون العميد جوزاف عون قائداً للجيش في 10 آذار 2017 لم يكن يتصوّر أنّه سيتولّى القيادة باعتماد حدّ كبير من الإستقلالية والتوازن، ولم يخطر في باله ربّما أنّه قد يشكّل منافساً لصهره جبران باسيل في السباق إلى قصر بعبدا. على العكس، ربما كان يأمل في أن يكون في خدمة هذه الرغبة التي لم يستطع إخفاءها منذ تولّيه الرئاسة.

 

 

بين مصير القائد ومصير البلد

 

الإفتراق الكبير بين عون الرئيس وعون القائد حصل نتيجة عدم تصدّي الأخير لانتفاضة 17 تشرين بحيث اعتبر باسيل والرئيس أنّ القائد تواطأ ضدّهما وأنّه بدأ يمهِّد الطريق ليكون هو الرئيس المقبل للجمهورية. هذا الإنطباع ترسخ مع بدء الجلسات لانتخاب الرئيس عندما اعتبر عون وباسيل و»حزب الله» أنّ المرشح الفعلي لقوى المعارضة هو العماد جوزاف عون. لذلك يحاول باسيل هذه المرة أن يفعل المستحيل لإخراجه من قيادة الجيش معتبراً أنّه بذلك يقضي على المرشح الأبرز في هذا السباق.

 

لم يسلك العماد جوزاف عون الطريق الذي اعتمده العماد ميشال عون في قيادة الجيش ولم يجعل المؤسسة منصة للعبور إلى قصر بعبدا. وهو لذلك لا يهدّد باستخدام الجيش على الأرض لهذه الغاية، ولا يلجأ إلى التهديد بتعطيل العملية الديمقراطية إذا لم يكن هو المرشح الوحيد. ولا هدّد بالبقاء في اليرزة إذا لم يتم التمديد له ولم يتمّ انتخابه. فالتلاعب اليوم في مسألة الفراغ في قيادة الجيش لا يهدّد مصير قائده بل مصير البلد الواقف على مفترق طرق خطير في ظلّ وضع عسكري متفجّر، خصوصاً إذا اختار «حزب الله» أن يدخل في الحرب الكبرى مع توالي تقدّم الجيش الإسرائيلي في غزّة وطرح مسألة دور الجيش اللبناني في هذه الحرب أو في احتواء تداعياتها.