زنار النار من طرابلس إلى عكار إلى عرسال وصولاً إلى شبعا، لا يمكن أن ينطفئ إلا إذا بقي الضوء الأخضر مُعطى للجيش اللبناني لوضع حدٍّ لعملية الإستهداف، التي يتعرَّض لها والتي تهدف من ورائها إلى جرِّ بعض مناطق لبنان إلى الحرب الدائرة في سوريا. وما حصل في طرابلس وفي بعض مناطق عكار، في الأيام الأخيرة، يُثبت أنَّ الأمن إما أن يكون كاملاً فَيَصِل إلى خواتيمه الجديَّة، وإما أن يكون بالتراضي، وعندها تكون الكارثة الكبرى.
***
نموذجان من المعارك التي خاضها الجيش اللبناني في الشهرين الأخيرين:
نموذج عرسال ونموذج طرابلس، ولكلِّ واحدٍ من النموذجين ظروفه وإعتباراته ونتائجه:
في عرسال دخلت الوساطات في بداية المعركة فتأخَّر الحسم، كما أنَّ جغرافية المعركة وطبيعة أرضها والمساحات الشاسعة خففت من فاعلية الإجراءات المتَّخذة، كما أنَّ وقوع بعض العسكريين في عمليات الخطف في بدء المعركة كبَّل خطط الجيش وعملياته، حرصاً على أرواح المخطوفين.
في طرابلس النموذج مختلف:
جغرافية المعركة غير متمادية الأَطراف، لا عمق جغرافياً مع دولةٍ أخرى، الجيش تعاطى مع المعركة بذهنية الحسم قبل أيِّ شيءٍ آخر فجاءت النتيجة مختلفة:
لا رهائن، لا تسويات، لا صفقات، لا إستغلال للمعركة.
ولكن بعد كلِّ ذلك، ما هي الدروس والعِبَر؟
وإلى أين من هنا؟
لا يجوز تجويف الإنجاز أو تفريغه من مضمونه، إنطلاقاً من المعطيات الآتية:
إذا حُسِمَت المعركة نهائياً فبالإمكان القول إنَّ طرابلس ستعود إلى سابق عهدها قبل المربعات الأمنية وقادة المحاور، ستعود طرابلس العاصمة الثانية للبنان ولا امتداد لإمارةٍ أو لأيِّ شيءٍ آخر.
بهذا المعنى لا يجوز أن يُسرَق هذا الإنجاز من أبنائها ليوضَع في الأرصدة السياسية لدى هذا أو ذاك.
كما لا يجوز العودة إلى الوراء، فنحن أمام نموذجٍ ناجحٍ يجب تعميمه هو نموذج طرابلس، بعد نموذج عبرا في شرق صيدا، كما أنَّ عرسال يجب أن تكون على خطى هذين النموذجين بعد الإنتهاء من قضية العسكريين المختطفين.
والترجمة العملية لمقولة لا عودة إلى الوراء تعني أنَّ هناك خطة أمنية يجب أن تُعمَّم على كلِّ لبنان، إنطلاقاً من الأمكنة التي نجحت فيها وصولاً إلى المناطق التي لم تشهدها.
***
هذه الخطة يجب ألا تأخذ بعين الإعتبار مراضاة أحد، إنطلاقاً من الضوء الأخضر الذي أخذته من الجميع من دون إستثناء، وأحدث دعمٍ في هذا المجال، ذلك الذي قدَّمه رئيس مجلس النواب نبيه بري من خلال إعلانه أنَّ الأمن لا يؤخذ إلا بالقوة والحزم، منبهاً إلى أنَّ التهاون سابقاً في التعامل مع حالات الإنفلات الأمني في عاصمة الشمال أوصلنا إلى هنا، وفي حال التقاعس الآن عن المعالجة الجذرية مجدداً ستكون الفاتورة في المستقبل أكبر.
واعتبر رئيس المجلس أنَّ المطلوب ترك الجيش يعمل من دون أيِّ تشويشٍ عليه، ومن دون محاولة إخضاعه لتجاذبات السياسيين ومصالحهم، مشيراً إلى أنَّ مكمن العلة ليس في العسكريين ولا في المدنيين وإنما في بعض السياسيين.
هذا الكلام للرئيس نبيه بري يجب أن يكون أمر اليوم للسياسيين ليكفُّوا عن مزايداتهم ليس في طرابلس فقط، بل حين يخوض الجيش اللبناني معركةً في أيِّ منطقة من لبنان.