Site icon IMLebanon

عيد الجيش

للسنة الثالثة على التوالي يحل عيد الجيش في الأول من آب، حيث لا احتفال مركريا، ولا تسليم سيوف للضباط المتخرجين، لأن رئيس الجمهورية وحده يرعى هذا الاحتفال، ولا رئيس للجمهورية!

لكن العيد، يبقى العيد برمزيته وجوهره ومضمونه، لأن الجيش باقٍ وبقاؤه ضمانة لبقاء الوطن، مهما اشتدت العواصف وعظمت الأعاصير.

لقد مر الجيش اللبناني بتجارب كثيرة وخطيرة مع الموجات الحارة والمتتالية المتسربة بغالبها من خارج، فيما تهاوى الآخرون، لأنه الثابت الوطني الوحيد، بين متحركين متعددي الاتجاهات والارتباطات، ما أقنع القاصي والداني، بأنه إن لم يكن الحل بالمطلق، فهو طريق الحل وعضد الدولة وجسر عبورها الوحيد من الكبوة المزمنة والانكفاء الطويل.

ويستذكر العماد جان قهوجي في أمر يوم سابق، التجارب المريرة التي عاشها لبنان، مع حروب الآخرين على أرضه أو حوله، بشهادة ما يجري في الدول المحيطة لنتلمس أهمية كون جيشنا عنوانا للوحدة الوطنية وللتنوع والعيش المشترك، الذي يمثل أبرز القيم اللبنانية الموروثة.

ولطالما كانت السياسة تملي على القادة اللبنانيين قناعاتها بأن أمن لبنان سياسي بالدرجة الأولى، وان المناعة السياسية وحدها توفر المناعة الأمنية بدليل أن الأحداث التي عصفت بلبنان الاستقلال، خلال الأعوام ١٩٥٨ و١٩٦٩ و١٩٧٣ و١٩٧٥، لم تقع بسبب حجم الجيش اللبناني وقدرته ونوعية تسليحه، انما وقعت بسبب غياب القرار السياسي للدولة اللبنانية.

وكان السؤال الداعم لمثل هذا الاعتقاد أنه لو كان عديد الجيش عام ١٩٧٥، ستين ألف رجل بدلاًً من ١٥ ألفاً، هل كان بوسع لبنان تجنب ما حدث يومذاك؟

وبالتأكيد، وكما أثبتت التطورات الراهنة، لو كان حجم الجيش في ذلك الوقت كما هو اليوم بالذات، لكان فرض اعتباراته على الوضع كما هو اليوم، حيث الجيش الآن، محط الرجاء ومحور كل رهان.

هذا الوضع بدأ يتبلور منذ مؤتمر روما لدعم الجيش اللبناني الذي انعقد في ١٧ حزيران ٢٠١٤ بمشاركة ممثلين عسكريين عن الدول الكبرى، وفيه تقرر دعم الجيش اللبناني بالمعدات والأسلحة كهبات، أو بموجب صفقات تجارية ميسرة. وكانت الولايات المتحدة السباقة الى تزويده بالعربات ثم بالاسلحة، قبل المؤتمر المشار اليه وبعده، ثم تتالت التقديمات من فرنسا وبريطانيا ومن الدول العربية.

وبالتزامن كانت القيادة تطوع وتوسع وتدرب، ريثما أصبح حجم الجيش بما هو عليه الآن، وكذلك تسليحه الذي استوفى الكثير من موجباته، مع زيارة العماد قهوجي الى الولايات المتحدة الأميركية حيث أجرى ٣٥ لقاء مع مسؤولين أميركيين في شتى المجالات وعاد بوعد الحصول على ست طائرات سوبر توكانو القاصفة، وعلى أسلحة أخرى مختلفة بعدما اقتنعوا معه بأن اللبنانيين يريدون الحفاظ على بلدهم بأنفسهم، من دون الاعتماد على الاعارة أو الاستئجار كالعادة، وكانت وصية الأميركيين: حافظوا على الجيش وعلى مؤسسات الدولة ريثما تمر هذه العاصفة، عملاً بالمثل القائل ما حكّ جلدك مثل ظفرك…

وبالطبع ثمة سياسة تكمن وراء هذه الاندفاعة العربية والدولية… بدأت مع بداية الأزمة الدموية في سوريا حيث ألقيت على الجيش اللبناني أعباء ميدانية واسعة نتيجة التدفق الواسع للاجئين السوريين والفلسطينيين من سوريا، ما فرض مهمات أمنية اضافية وسط التداخل العسكري القائم بين البلدين، خصوصا بعد تدخل حزب الله الى جانب النظام السوري وذهاب جماعات لبنانية للقتال الى جانب المعارضة ما ألزم قيادة الجيش بمهمات اضافية أوسع، خصوصا على صعيد ضبط الحدود الشرقية مع سوريا، وكان القتال العنيف بين الجيش وداعش والنصرة في جرود عرسال، الحد الفاصل بين التردد والاقدام.

بعدها كانت الحرب الاستباقية التي يشنّها الجيش ومخابراته خصوصاً، على الخلايا النائمة ذات المهمات الارهابية المتعددة، وقد حققت أهدافاً كثيرة.

لهذه الأسباب، اضافة الى السبب الدستوري الموجب ألاّ يعيّن قائد للجيش بغياب رئيس الجمهورية، كان التوجه نحو تمديد خدمة العماد قهوجي، عملاً بنظرية ما لا يحدث قط، قد يحدث أحياناً…