بعد خروج تنظيم «داعش» من الأراضي اللبنانية عقب الهزيمة التي لحقت بعناصره على يد الجيش، سرت العديد من التحليلات السياسية والاستنتاجات الفردية وحتى الخطابات «الدونكيشوتية»، لتتحدث عن «خيانات» وتجاوزات لبعض أركان الدولة بحق المؤسسة العسكرية والتواطؤ مع الإرهابيين ضدها، وعن «إنجازات» و»إنتصارات» لأطراف محددة، أخذت عهداً وتعهّداً من «داعش» بتمرير صفقة غير مُكتملة، كان الهدف منها، حرف الأنظار عن الانتصار الذي حققه الجيش ووضع هذا الأخير تحت المساءلة والشكوك. لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل، أمام ارادة وطنية جماعية لم تتهاون مع محاولات نصب الأفخاج للجيش، ولا التشكيك بالإنجازات والانتصارات التي حققها ضد الجماعات الارهابية في الجرود.
ما مرّ به الجيش خلال الاسبوعين الماضين، هو محنة وليس امتحاناً، فالثقة التي منحه اياها اللبنانيون جعلت الجميع على يقين وايمان بانتصاره. ومن هذا الدعم الشعبي المعطوف على دعم سياسي غير مسبوق، حقق الجيش ما حققه في معركة الجرود في أقل من اسبوعين، ما يُعدّ بحسب التحليلات السياسية المنطقية، أكبر من انتصار لجيش يُعمل منذ سنوات طويلة على الحد من قدرته وعدم السماح له ببناء قوة تُمكّنه من تجاوز العقبات التي كانت وما زالت توضع أمامه. في وقت كان كل التسليح والدعم يصبّ في جهة واحدة، حوّلت كل الأنظار اليها وجيّرت كل «الانجازات» لصالحها. وحتى اليوم تُصرّ هذه الجهات على التعاطي باستخفاف مع كل ما تحققه المؤسسة العسكرية، سواء في العسكر أو الأمن. وما طريقة التعاطي مع ملف «داعش» خلال اليومين السابقين، سوى عيّنة صغيرة مما يتعرض له الجيش.
يوم تقرر إخراج عدد من النازحين السوريين من مخيمات عرسال باتجاه الاراضي السورية، راحت جهات محلية واقليمية تعمل للتحريض ضد الدولة اللبنانية بسبب رفض الأخيرة التنسيق مع النظام السوري من أجل عودة هؤلاء، خصوصاً وأن للنظام سوابق كثيرة لجهة تعاطيه مع عودة النازحين إلى مناطق سيطرته حيث كان يُخضعهم للتساؤلات ويزج ببعضهم في السجون، واجبار عدد كبير منهم على الالتحاق بالجبهات المتقدمة، وعلى الرغم من كل هذه الأمور، فإن الجيش واكب تلك العودة في الحافلات والسيارات الخاصة، منذ لحظة انطلاقتها من جرود عرسال وحتى وصولها إلى أقرب نقطة للنظام. ومع هذا ظلّت الحملات والاتهامات توجّه الى الدولة اللبنانية من قبل هؤلاء، مرّة مُتهمين اياها بالتآمر على خط «المقاومة» ومرّات بتنفيذها «أجندات دولية».
لم تقف حملات التشكيك بالدولة ومؤسساتها عند هذا الحد، بل استُكملت منذ اللحظة الأولى لاعلان قيادة الجيش اقتراب معركة تحرير الجرود والتي أُطلق عليها يوم التنفيذ، «فجر الجرود»، فكان هؤلاء يُصرّون على وجود تنسيق بين الجيش والنظام السوري و»حزب الله»، على الرغم من النفي المتواصل لقيادة الجيش بوجود تعاون أو تنسيق، حتّى أن صوراً مُفبركة خرجت تُظهر آليات للجيش في الجرود، إلى جانب آليات للحزب وأخرى نقلها إعلام «الممانعة» على أنها لحظة انتشال عناصر من الحزب، جرحى من الجيش لحظة تعرض آليتهم لانفجار لغم أرضي في جرود رأس بعلبك. وحتى أمس، نشر الاعلام الحربي التابع لـ «حزب الله»، صوراً للجيش وهو يقوم بعملية انتشار في الجرود، يظهر فيها أحد عناصر الحزب بسلاحه، وهو يقوم بمراقبة عملية الانتشار.
حملة التشهير والتشكيك بالمؤسسة العسكرية وصلت إلى ادنى مستوى من خلال نشر بعض المواقع الالكترونية أخباراً مُلفقة وصلت إلى حد خارج المقبول، ومنها تقديم قائد عملية «فجر الجرود» العميد فادي داوود، استقالته من الجيش، وعلى الاثر، صدر عن قيادة الجيش – مديرية التوجيه بيان لفتت فيه إلى أن «بعض المواقع الالكترونية الإعلامية، تتداول خبرا مفاده أن قائد عملية فجر الجرود، قد قدم استقالته من الجيش. تنفي قيادة الجيش – مديرية التوجيه صحة هذا الخبر، وتدعو المواقع المذكورة الى توخي الدقة في تناول أي موضوع يتعلق بالمؤسسة العسكرية، والعودة إلى هذه القيادة لاستقاء المعلومات الصحيحة من مصادرها».
في جميع الأحوال، لم يعد لا لتنظيم «داعش» ولا لـ»جبهة النصرة» ولا لأي تنظيم إرهابي آخر، أي وجود على الأراض اللبنانية، فالعزيمة التي خاض بها الجيش معركته ضد الجماعات الارهابية بكافة فصائلها وأسمائها، أوصلت إلى مرحلة التحرير هذه والتي تكلّلت بفعل تضحيات ضباط وعناصر الجيش وبدماء شهدائه وجرحاه. ومن ضمن عملية استكمال السيطرة على كافة المواقع والنقاط التي كان يحتلها الارهابيون، وأصدرت قيادة الجيش– مديرية التوجيه أمس بياناً جاء فيه: «استكملت وحدات الجيش انتشارها في منطقة وادي مرطبيا ومحيطه، التي تأكد خلوّها من عناصر تنظيم داعش الارهابي، وقد تمّ رفع العلم اللبناني فوق قمم: حليمة قارة وعقابة مرطبيا وحليمة القبو، التي تشكّل المرتفعات الأعلى في المنطقة، فيما تقوم الفرق المختصة في فوج الهندسة بمسح الأراضي لكشف العبوات والألغام والأجسام المشبوهة التي خلّفها الإرهابيون والعمل على معالجتها».
في سياق انتشاره، كان الجيش قد رفع أمس أيضاً، العلم على تلة القريص على الحدود اللبنانية ـ السورية إثر تحريرها من تنظيم «داعش» بعدما كان غادر هؤلاء الجرود حيث كانت وصلت الحافلات الّتي تقلّ جرحى وعائلات ومسلحي تنظيم «داعش» إلى نقطة التبادل في بلدة حميمة في دير الزور. وبدوره لفت الإعلام الحربي في «حزب الله» إلى أن «قافلة تقلّ مقاتلي تنظيم داعش وعائلاتهم وصلت إلى نقطة تبادل فى شرق سوريا اليوم (أمس) الثلاثاء، حيث سينتقلون منها إلى أراض خاضعة لسيطرة التنظيم بموجب اتفاق لوقف إطلاق النار».
وعلى المنوال نفسه، نظّم «حزب الله» أمس، جولة لأهالي بلدة القاع على جرودهم المحررة من تنظيم «داعش» الارهابي، لمعاينتها بعد سنوات من الغياب عنها وشملت الجولة وادي ورأس أبو عيون وصولا إلى مرتفعات الصبة والنصراني والسمرمرات، واختتمت أمام مركز أمير «داعش» أبو السوس، المدمر. وهناك شرح احد عناصر الحزب كيفية قتل مسؤول العمليات الانتحارية في «داعش» الارهابي «أبو خطاب» المسؤول عن ارسال الانتحاريين إلى القاع.