تحية الجيش في عيده الواحد والسبعين واجبة، لكن خوفنا على هذه المؤسسة الوطنية الكبرى، بدورها الذي يتعاظم حتى ليكاد يختصر «الدولة» جميعا، يترافق مع التحية ويعطيها مزيداً من المعنى…
بين أسباب الخوف على الجيش هذا التداول اليومي في أخباره، وتحديداً في ما يتصل بالمواقع القيادية فيه، يكاد ينزل بهذه المؤسسة العريقة إلى البازار السياسي المفتوح، فيضرب حصانتها ويهز مكانتها ويكاد يجعلها واحدة من الإدارات التي استتبعتها الطبقة السياسية فدمرت مكانتها ودورها وأحلت في القمة منها «أزلامها» و«أتباعها» الذين يتقدمون وظيفيا بقدر ما يسهلون الفساد والإفساد عبر التبعية لمن أجاز لهم الوصول إلى مواقعهم السنية.
لقد كانت للجيش، ويجب أن تبقى له الحصانة التي تحمي مواقعه القيادية من اللغط والتداول اليومي، وتبقى هذه المؤسسة «حيث الصمت هو السيد» ـ كما عبر القائد المؤسس للجيش الرئيس الراحل فؤاد شهاب حين حملته المخاطر إلى موقع رئاسة الجمهورية ـ بعيدة عن «صراعات الأقطاب» حول الهيمنة على مؤسسات الدولة ومقدراتها.
لكأن مراد هذه الطبقة السياسية إبقاء مؤسسات الدولة جميعا، مدنية وعسكرية، هياكل خاوية، عن طريق التحكم باختيار من يشغل «مواقع القرار» فلا يخرج من إرادة من أوصله إلى منصبه الممتاز ويتحول ـ بالتالي ـ إلى «منفذ» بدل أن يكون «صاحب الأمرة»، كما يقال في التعبير العسكري.
فمنذ عامين والبورصة السياسية، في الدولة التي يضربها الفراغ في مركز القرار، مفتوحة على مداها بأحاديث التمديد أو عدمه لمن يشغل أعلى المناصب القيادية في الجيش، مما يعتبر امتهانا لكرامة هذه المؤسسة الوطنية، فضلاً عن كونه امتهاناً للكرامة الشخصية للمعنيين…
ليست قيادة الجيش ولا مؤسساتها، مواقع سياسية مفتوحة للتنافس وبازار المضاربات، سياسية بمضمون طائفي أو طائفية بواجهة سياسية.
لكن الطبقة السياسية في هذا النظام الفاسد المفسد، قد عطلت مؤسسات الحكم جميعاً، وباتت تمارس التحكم بمواقع السلطة وأشخاص المرشحين بطريقة أقل ما يقال فيها إنها مهينة للمؤسسات قبل الأشخاص وبعدهم.
الأخطر أن هذه الطبقة السياسية، الفاسدة المفسدة، باتت تمارس تحكمها بمواقع القرار في المؤسسات العسكرية والمدنية، بما في ذلك القضاء، «على المكشوف» ومن دون التزام بالأصول وموجبات الاحترام لهذه المؤسسات ومَن سوف يشغلها، والمفترض أن يكون قد تولى منصبه السامي بكفاءته العلمية وجدارته الشخصية لا بإخلاصه لزعيم الطائفة المفدى، أو نتيجة مقايضة علنية وبشعة بين زعامات الطوائف على مواقع القرار في الإدارة، مدنية كانت أو عسكرية.
إن الدولة بمؤسساتها القيادية معطلة… فرئاسة الجمهورية شاغرة من شاغلها المفترض انتخابه قبل سنتين، ومجلس النواب معطل بلا مبرر مقبول، مُعَطِّلاً القرار في أي شأن، سواء أكان مصيريا أم تنفيذيا… يستوي في ذلك قانون الموازنة العامة أو مشروع قانون الانتخاب أو سائر القوانين التي تحرك عجلة الإدارة وتحفظ للدولة مكانتها وهيبتها التي خرجت ولم تعد.
وخلال هذه الفترة من التعطيل المقصود لمؤسسات القرار في هذه الدولة اليتيمة يتم توزيع المغانم على قواعد طائفية معلنة بين زعامات الطوائف، بلا خوف من عقاب أو حساب، ويتم إطفاء الأنوار المبشرة بالتغيير حتى تبقى السلطة، بمواقعها المختلفة، محتكرة لتلك الزعامات وذريتها الصالحة معززة بهيمنتها على المصالح والمنافع المختلفة (حتى في القطاع الخاص بتأثير نفوذها) تعطيها لِمَن والاها لتتحكم في البلاد والعباد، محولة الجمهورية إلى «إمارات» لأزلامها، لا يهم أن تكون «متصالحة»، بل المهم ألا ينكسر احتكارها فيتهدد نفوذها الذي لا يفتأ يتمدد حتى يكاد يشمل كل أسباب الحياة في هذا البلد الأمين.
في العيد الواحد والسبعين لجيشنا الوطني نتمنى أن يتوفر للبلاد حكم قادر يحصن هذه المؤسسة الوطنية فلا تبدو وكأنها تتوسل «تسليحها وأسباب منعتها بالشرهات الملكية وقدرتها على أداء دورها الوطني بالهبات والإكراميات الأميرية والمنح الأميركية ويبعد مواقعها القيادية عن اللغط اليومي في البازار المفتوح حول مَن يشغلها بكفاءته لا بنفوذ مرجعيته الطائفية ـ السياسية.
كذلك نتمنى أن تتوطد علاقة رفقة السلاح بين هذه المؤسسة الوطنية والمقاومة بتاريخها الجهادي الذي نستذكره اليوم والذي أعطانا عيد التحرير الثاني قبل عشر سنوات عبر إلحاق الهزيمة بالعدو الإسرائيلي في حرب تموز 2006.
مبارك لك العيد، يا حامي الديار، حماك الله من المتاجرين بدمك!