عيد الجيش يمر، للعام الثالث، من دون عرض عسكري وتقليد السيوف للضباط الجدد. فلا احتفال في غياب رئيس الجمهورية القائد الأعلى للجيش. ولا هذا الغياب الذي يعيد الجميع التذكير به والدعوة الى إنهائه بانتخاب رئيس سوى واحد من العوامل في أزمة لبنان. اذ الغائب الاكبر هو الجمهورية التي ولدت قبل الجيش، وراحت تتآكل وتتداعى بدل أن تجدد نفسها. والحاضر الأكبر هو الجيش الذي يجدد شبابه في الحادية والسبعين ويتخطى التجارب والظروف الصعبة التي مرت عليه وعلى لبنان.
ولا شيء يقلل من مخاطر الغياب سوى الحضور القادر على مواجهة التحديات ورد خطر الارهاب السلفي التكفيري الذي هو اليوم هاجس المنطقة والعالم. لكن الرهان على الجيش وحده من دون منظومة سياسية، لا مجرد غطاء سياسي كما يقال، يبقى ناقصاً ويصعب استمراره بلا حفاظ على الرأس وقت تغيير الدول. فمن حسن الحظ أن الجيش اللبناني، لأسباب متعددة بينها تركيبة المجتمع، بقي جيشاً للوطن لا للسلطة ولم يأخذ السلطة على طريقة الجيوش العربية. ولا هو جيش له دولة حسب القول الشائع عن الباكستان واسرائيل. لكن من سوء الحظ أن نصل الى مرحلة ما يشبه: جيش بلا دولة.
ومتى؟ عندما صار لبنان التقليدي نموذجا للبلدان التي كانت تسخر من ضعفه ونظامه الطائفي، ثم قادتها مضاعفات الربيع العربي وخطورة داعش الى مواجهة الارهاب عسكرياً وأمنياً وسياسياً على الطريقة اللبنانية. فمن الصعب القضاء على داعش وبقية التنظيمات الارهابية إلاّ بجيش وطني يضم مقاتلين من جميع الطوائف ويعمل في اطار مؤسسات دولة ديمقراطية. ومن الوهم محاربة السلفية الجهادية التي تمارس الارهاب كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية في اطار ايديولوجيا شمولية قائمة على تأويل متشدّد للفقه بقوى مذهبية أو بقوات أجنبية أميركية وروسية وأوروبية. فهذا يقود الى تقوية داعش ضمن حاضنة اجتماعية له أو الى ولادة داعش أشدّ تطرفاً.
لكن المطلوب في لبنان هو ان يكتمل النموذج. فالجيش نجح حتى اليوم في مواجهة الارهاب والحفاظ على الاستقرار الداخلي برغم التوتر السياسي. ولن يكتمل النجاح بلا تسوية سياسية. وبناء مؤسسات الدولة، وليس بمجرد انتخاب رئيس أو التوقف عن تعطيل المجلس النيابي وعن شلّ مجلس الوزراء أو تنظيم المحاصصة في السلطة كما في الصفقات. واذا كان من حقنا ان نراهن على الجيش في معركة الحفاظ على لبنان وقت تغيير الدول بالفعل، فان من واجبنا ان نضمن له كل ما يحتاجه من أسلحة ومناخ سياسي وطني.
والحرب مفتوحة، لكن اللعبة السياسية مغلقة.