النكد السياسي على الساحة المسيحية يحول دون انتظام عمل المؤسسات بدءاً برئاسة الجمهورية
يبدو ان التجاذبات السياسية، والمنسوب المرتفع من النكد الموجود عند من يفترض فيهم أن يكونوا أصحاب القرار، وأهل الحل والربط، يحولون دون انتظام عمل المؤسسات، وهذا السلوك غير الصحي عند السياسيين إذا ما استمر سيؤدّي الى سقوط لبنان ككيان، ولا سيما ان التطورات التي تعصف بالمنطقة من كل حدب وصوب، تبعث على الخوف من أن نكون أمام متغيّرات متعددة الأوصاف لن يكون في قدرة لبنان بحالته الراهنة على التعامل معها بالشكل الذي يبعد عنه أي تشظّي محتمل.
ولعل ما تقدّم يفرض على المسؤولين العاجزون الى هذه اللحظة من التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية بعد مضي عام ونيّف على الشغور الرئاسي، الإسراع الى ابتداع الفتوى القانونية والدستورية الذي يمنع من سقوط المؤسسة العسكرية في براثن الفراغ خصوصا في هذا الظرف الخطير، وخصوصا ان هذه المؤسسة تكاد تكون الوحيدة التي ما تزال تحول دون سقوط أسس الدولة وتمنع التصادم الداخلي، وتحافظ على الوحدة الوطنية.
وإذا كان البعض من المسؤولين لا يهمّه استمرار الشغور الرئاسي ما لم يكن الرئيس العتيد للجمهورية وفق رغبته، ولا يهمّه أيضا أن يسري هذا ألشغور على قيادة الجيش إذا كان الحل يكسر كلمته، فان المطلوب وقبل فوات الأوان معالجة هذا الاستحقاق لحفظ الباقي المتبقّي من شكل الدولة التي باتت أقرب الى الاهتراء على كافة المستويات.
في هذا السياق، يؤكد مصدر وزاري ان الاتصالات والمشاورات ناشطة باتجاه أن يعالج هذا الملف في القريب العاجل غير ان «الأمور مكربجة» الى الآن، فعلى مستوى الحل الرامي الى التمديد للقائد الحالي «مش ضابط» لأن «حزب الله» لا يريد قطع شعرة معاوية مع رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، ولا تعيين قائد جديد في ظل غياب رئيس الجمهورية «ماشي» في ضوء رفض المسيحيين، وبين هذا وذاك الملف عالق على حبل الانتظار، لكن هذا لا يعني ان الأفق مسدوداً أمام الحلول.
ويكشف المصدر الوزاري ان الأسبوع الطالع سيكون حافلاً باللقاءات والمشاورات بحثا عن مخرج، وأن هناك من يطرح مخرجا عن طريق مجلس الوزراء يرمي الى تأخير تسريح العماد جوزاف عون ستة أشهر ريثما يكون قد تم الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية، غير ان هذا المقترح ما زار قيد البحث إنما على البارد، علما ان مسألة التمديد التي ما زال يرفضها «التيار الوطني الحر» حملها وفد من «القوات اللبنانية» الى بكركي وناقشها مع البطريرك بشارة بطرس الراعي، وأبلغه انه في ظل الوضع الخطير المهيمن على لبنان والمنطقة لا يجوز تغيير قيادة الجيش كما انه لا يجوز تعيين قائد في غياب رئيس الجمهورية، مؤكدا اننا نريد قائدا للجيش غير مسيّس وأي قائد جيش سيتم تعيينه اليوم سيكون مسيّساً من قبل الجهة التي ستعيّنه.
هذا الانشطار الذي يغلّف العلاقة بين أقوى فريقين مسيحيين حول غالبية الملفات المطروحة ينذر بعواقب وخيمة على مجمل الوضع العام، ما لم يخضع الفريقين معاً الى معادلة تقديم التنازلات والأخذ بعين الاعتبار ان خلافاتهم يجب أن تقف على عتبة مصلحة البلاد والعباد، لأن الاستهتار بالمصلحة الوطنية لصالح المصالح الشخصية أوصلنا الى ما نحن عليه اليوم، ولذا فإن المطلوب إخراج ملف المؤسسة العسكرية من لعبة التراشق السياسي، والعمل على معالجته بالشكل اللازم تحت عنوان الحفاظ على الاستقرار العام، والأخذ بعين الاعتبار الأوضاع الخطيرة على مستوى المنطقة برمّتها، خصوصاً أن أحداً لا يستطيع أن يتوقّع حقيقة النوايا الإسرائيلية تجاه لبنان، والركون الى طمأنة البعض إلى ان لبنان سيكون في منأى عن أي حرب مفتوحة، فالمعطيات اليومية لا تطمئن ولذا على من بيدهم القرار وضع نصب أعينهم هدف واحد هو تجنّب الشغور في قيادة هذه المؤسسة العسكرية التي ما تزال صامدة رغم الظروف الصعبة التي تواجهها على أكثر من صعيد.