IMLebanon

الجيش بالمرصاد… ولا «مظلومية لاهل السنّة»

لم يكن ينقص اللبنانيين وسط الخلافات السياسية التي تعيشها البلاد بين الأطراف المتصارعة على الحكم، وعلى تقاسم ثرواتها والاستفادة المالية من كلّ مشروع يُنفّذ فيها، سوى توعّد تنظيم «داعش» الأخير للبنانيين، لا سيما منهم المسيحيون، فضلاً عن وضعه «حزب الله» في مرمى أهدافه.

لعلّ هذا التهديد ليس بجديد من قبل هذا التنظيم، على ما أشارت أوساط سياسية متابعة، إلا أنّه يأتي بعد اتهام «العرب»، حزب الله بالإرهاب في الجامعة العربية، ما جعله يُساوي نفسه بالمقاومة، ولا يخشى من تهديدها مجدّداً، إذ كان قد ضربها مرات عدّة في تفجيرات سابقة وقعت في الضاحية الجنوبية من بيروت، وقام بتبنّيها «بكلّ افتخار».

غير أنّه هذه المرة توعّد بالعبور الى القدس، وأنّه سيُقاتل اليهود بسلاح الجيش اللبناني بعد أن يُصبح غنيمة في قبضته، على حدّ قول التنظيم الارهابي، الأمر الذي يظهره متوسّعاً في أحلامه، على ما أشارت الأوساط نفسها، ليس فقط الى المناطق اللبنانية الحدودية، بل وصولاً الى تلك الجنوبية القريبة من إسرائيل. كما أنّ كلامه هذا يعني أنّه سيقضي على المقاومة والجيش معاً، كما على الشعب المقاوم بطبيعته، لكي يتمكّن من عبور كلّ هذه المناطق، فيحتلّ البلاد ليُكمل الى الجانب الاسرائيلي، كهدف جديد من أهدافه، على ما أعلن أخيراً. علماً أنّ هذا الهدف قد يدخل في باب التمويه، إذ لم يسبق للتنظيم أن هدّد اليهود، ما جعل الكثيرين يتحدّثون عن نقاط التقارب بين الطرفين، في الشكل والمضمون والأهداف.

وتتزامن تهديدات ما يُسمّى بـ«المكتب الإعلامي لولاية الرقة» التابع لتنظيم «داعش» مع الضربات العسكرية عليه في سوريا من قبل التحالف الدولي، كما من قبل روسيا، والحديث عن شلّ قدراته وتقهقر عناصره.

ولكن ما قد يخشى منه، على ما أفادت الأوساط السياسية، هو اللجوء الى لبنان كمنفذ للهرب من تلك الضربات الجوية التي توجّه الى عناصره. ولهذا يحاول التنظيم بشكل يومي ومستمر تحقيق خرق ما في بعض المناطق الحدودية اللبنانية، إن من المناطق البقاعية أو الشمالية، مع بعض المحاولات الجنوبية، غير أنّ القوى الأمنية تقف له بالمرصاد وتتتبع تحرّكاته وخطواته كافة.

وما حصل أخيراً من قبل الجيش اللبناني من صدّ قوي لهذه الهجومات يؤكّد نوايا التنظيم، على ما تقول الأوساط نفسها، فعناصره لا تيأس من المحاولة، وهي تقوم يومياً باستفزاز الجيش الذي يُطلق النار والقذائف باتجاه عناصره. كذلك فإنّ الجيش اللبناني رابض على حدوده بهدف الحفاظ على سلامة أراضيه وشعبه.

أمّا أن يُصبح لبنان، حكومة وجيشاً وشعباً ومقاومة، مهدّداً من قبل هذا التنظيم، تحت ما أسماه «مظلومية أهل السنة في لبنان»، فهو أمر خطير، على ما ترى الأوساط ذاتها، لأنّه يحاول أن يُظهر بأنّ السنّة مغبونون في هذا البلد، وأنّه هو من سيعيد لهم حقوقهم. علماً أنّ السنّة في لبنان، كما سائر الطوائف، هم مع الإعتدال وليس مع التعصّب أو التطرّف الذي تريده السعودية أن يسود في هذا البلد. ولهذا يجب أن تتضافر الجهود، على ما تُشدّد الاوساط، لا سيما من قبل رئيس الحكومة السنّي الذي لا يوافق بالطبع هذا التنظيم على رؤيته لما هو حاصل في لبنان، وإن كان حاصلاً فعلاً، فهو لا دخل له بالشؤون اللبنانية الداخلية، وبمبدأ العيش المشترك الذي يسود بين جميع الطوائف التي يتكوّن منها هذا المجتمع.

كذلك فهو يُخطىء كثيراً عندما يقول أنّ «حزب الله» يسيطر على لبنان، بموافقة عربية، فأين هي هذه الموافقة التي جعلت من الحزب «منظمة إرهابية»، خدمة لهذا التنظيم وأخواته، كما لإسرائيل، على ما تساءلت الأوساط، وأين هو بالتالي التسليح العربي للجيش اللبناني بعد سحب الهبة السعودية التي تُقدّر بمليارات الدولارات أخيراً؟

فأن يُنصّب تنظيم «داعش» نفسه زعيماً للطائفة السنية وأن يدافع عنها في سائر الدول العربية، فهذا شأنه، على ما تضيف الأوساط نفسها، أمّا أن يستخدم قوّته للدفاع عن الطائفة السنية في لبنان، «المستهدفة»، على ما يقول، فإنّ أحداً في لبنان لم يطلب منه القيام بهذه المهمة. ثمّ إنّ أي طائفة في هذا البلد ليست مستهدفة، كونه يُمثّل نموذج العيش المشترك في المنطقة كلّها، وهو لن يتخلّى عن ذلك، بعد أن أظهرت له سنوات الحرب الطويلة أنّ أي طائفة لا يمكنها أن تلغي الأخرى، كما أنّه لا يمكنها العيش بمفردها في هذا البلد.

من هنا، فإنّ الصراع القائم اليوم في بعض دول المنطقة، قد نأى لبنان بنفسه عنه، لا سيما أنّه اختبره، ولا مجال للعودة اليه مجدّداً. كما أنّ الصراع السياسي الحاصل اليوم، لم يعد يقتصر على الطوائف بحسب الاوساط، إذ ثمة متصارعون من طائفة واحدة، ومنتمون الى فريق واحد من طوائف عدّة. لهذا فالكلام عن استهداف طائفة لا يُمثّل اليوم الواقع اللبناني، ولعلّ هذا ما يُظهر عدم المعرفة الصحيحة من قبل بعض الغرباء للواقع اللبناني.

والمطلوب اليوم، أن تستكمل جميع المكوّنات في البلاد حوارها لتصل الى نتائج مقبولة تحلّ بعض المشاكل العالقة، وأبرزها حالياً تأمين مساعدات عسكرية جديدة للجيش اللبناني تمكّنه من صدّ أي هجومات جديدة عليه من المناطق الحدودية، كما من الجانب الإسرائيلي، على أن تتمّ دراسة الهبات غير المشروطة تؤكد الاوساط، فالحاجة ماسّة اليوم لأن يكون لهذا البلد جيش جاهز عسكرياً ومزوّد بأحدث وسائل الدفاع عن نفسه وشعبه وبلده ضد أي معتدٍ، لا سيما في ظلّ التهديدات التي تحيط به من كلّ حدبٍ وصوب.