IMLebanon

الجيش فوق المساومات السياسية!

تحتفل المؤسسة العسكرية بعيدها السبعين في ظروف أكثر تردٍ من سابقاتها، في حين نظن كل عام أنه الأسوأ إلى أن تبرهن لنا الظروف أن الآتي أعظم، وأن هيبة «البدلة المرقطة» باتت على المحك بما أن هيبة الدولة برمتها قابعة تحت علامة استفهام كبيرة!

إن استشهاد المقدم ربيع كحيل، بالرغم من كونه حادثاً فردياً، إلا أن دلالاته أعمق بكثير من فرديته، فهي تعكس تطاول أصحاب السلاح غير الشرعي على كل مقومات الدولة واستباحتهم المتمادية، ليس فقط لخيرات البلاد المادية، بل لرموز السلطة وشرعية المؤسسات وهيبة حاملي السلاح الشرعي وأبطال المواجهة الحقيقية والمشروعة للإرهاب على مختلف أراضي الوطن! فالجيش اللبناني غني بالدعم المعنوي اللامتناهي، إلا أنه حين تدق ساعة الترجمة على الأرض، تنسحب المواقف بشكل تكتيكي، وتصبح كل الهبات والتقديمات العينية مرهونة بسلسلة لا متناهية من المساومات السياسية الصعبة المنال، على الأقل في المدى المنظور.. وتُترك المؤسسة العسكرية في مواجهة مختلف أنواع الإرهاب في كل المناطق، الخارجي منه والداخلي، بالحد الأدنى من العتاد، ويترك خيرة شباب لبنان وعماد الوطن، الذي أثبت أنه الأقلية الباقية من شعب تنوعت ولاءاته وتلوّنت أعلامه، إلا أنه ثبت على الولاء للوطن رافعاً رايته في كل معاركه ضد الإرهاب، وحيداً في المواجهة!.. فتارةً يُقتل في المروحية، وتارة في الدبابات المتفجرة على أبواب مخيمات الإرهاب وفي أزقة شوارع وقعت تحت سيطرة السلاح غير الشرعي، أو حتى على حدود وهمية اختلط حابل صاحب الأرض بنابل المتسلط عليها.. إلى أن سقط آخر شهيد للجيش، حتى لحظة كتابة هذه السطور، المقدّم المغوار على أيدي زعران، أزلام زعران أكبر، في قمّة التطاول السفيه على البدلة المرقطة وبمنتهى الاستخفاف بالدولة والقانون معاً!

ربيع كحيل، جورج الريف، هما آخر قافلة طويلة لم تنتهِ لشهداء قضوا بسلاح غير شرعي، في ظل قضاء وقع رهينة السياسيين، فأعطى الرخص الضمنية للقتل عندما دخل في دوّامة المحسوبيات، مما أدى إلى تسييس القضايا وتفصيل القانون على مقاسات مختلفة، فسُلّمت صفحة الشهداء للنسيان وأُطلق المجرمون لغرائزهم المتوحشة، تحت غطاء وبحماية مَن هم أدنى منهم قيماً ومبادئ وحتى أخلاقاً، حيث شريعة الغاب ومنطق الأقوى بات السائد.

إنها ليست جرائم فردية تحصل في أكثر البلاد تقدماً، بل هي عقلية سائدة تروّج للإفراط بالقوة بما أن الحساب غائب، والحجج حاضرة لتخفيف العقوبات، وأحكام الإعدام أبعد من النجوم في سماء لبنان الملوثة، مما ينذر بارتفاع نسبة الجريمة في وطن كنا نتغنى بالأمن الاجتماعي فيه خلال أعتى أيام الحرب. وبالتالي، ومع كل احترامنا لخطط وزارة الداخلية ومحاولاتها فرض قوانين السير وغيرها من حدود المواطنة الدنيا، إلا أن الأولوية اليوم في مكان آخر تماماً، ألا وهي وضع حدٍ للسلاح غير الشرعي المنتشر بين المواطنين بشكل غير مسبوق وغير مضبوط.. ولا بدّ أن تكون هذه أولوية الحوار، الحيّ الميّت، بين المستقبل و«حزب الله»، كما أنها مسؤولية التيار الوطني الحر مع حلفائه، خاصة وأنه انتدب نفسه للدفاع عن الجمهورية.. وأية جمهورية.. حيث غيّب رئيسها واستقوى زعرانها على الدولة ومؤسساتها الامنية والعسكرية.. وسواهما؟! إلى أن تعلّق المشانق من جديد، ويكون المجرمون أمثولة لمن تسوّل له نفسه قتل نفس بغير حق، وتضرب الدولة بيد من حديد، بغض النظر عن المنطقة والطائفة والزعيم..

رحم الله شعب لبنان.. الأحياء منهم والأموات، وحمى جيشه.. فهما عماد الوطن مهما تغيّرت الوجوه الحاكمة وتلوّنت الأحزاب!