Site icon IMLebanon

«خزّان الجيش» يزفّ أبناءه… إستقبالٌ يليق بالأبطال

مرّت ثلاث سنوات بوقعٍ مرّ على الشمال، رُفعت خلالها الصلوات وقُدّمت النذورات علّ العسكريين يعودون يوماً فيعيدون معهم الفرحة… ثلاث سنوات طال خلالها الإنتظار إلّا أنّ النهاية كانت صعبةً على أهالي هذه المنطقة إذ عاد العسكريون الى بلداتهم عرساناً في النعوش، فكان لهم استقبالٌ يليق بالأبطال.

لم يكن يوم فنيدق وعكار عادياً هذه المرة، فكل شيء فيه خرَق رتابة الملل المعتاد. إنه يومٌ للتأمل بالشهادة وعرسٌ للشهداء ولكن هذه المرة إلى مثواهم الأخير.

ساعات قضاها موكب الشهيدين حسين محمود عمار وخالد مقبل حسن في طريقه من بيروت إلى عكار، فمرّ بمحطات استقبال عدة وتوقف في أكثر من نقطة.

ومن ساحة العبدة التي وصلها قرابة الرابعة وعشر دقائق، شقّ الموكب طريقه بصعوبة فكانت له استقبالات شعبية في بلدات: برج العرب، برقايل، بزال، قبعيت، بيت أيوب، القرنة، مشمش وصولاً إلى مسقط رأسهما بلدة فنيدق، حيث استقبل الموكب بالأرُز والورود والأعيرة النارية.

أجواء الحزن خيّمت على فنيدق التي اتّشحت بالسواد وامتلأت بصوَر الشهداء، وخرقت الطلقات النارية وأصوات الصيحات من حين لآخر رتابة المشهد، الذي عاشت مثله هذه البلدة قبل ثلاث سنوات حين شيّعت شهيدها علي السيد الذي ذبحه تنظيم «داعش» الإرهابي.

وفي باحة المدرسة التكميلية الرسمية كان التشييع الرسمي والشعبي للجثامين حيث أدّت ثلةٌ من عناصر الجيش اللبناني التشريفات، وأمّ المصلّين ممثلُ مفتي الجمهورية رئيس دائرة أوقاف عكار الشيخ مالك جديدة.

وقد اعتبر ممثل وزير الدفاع يعقوب الصراف وقائد الجيش العماد جوزيف عون العميد وليد السيد في كلمته أنّ «هذا يوم وطنيّ جامع التأم فيه الجميع لتشييع الجندي الشهيد البطل خالد حسن والجندي البطل حسين عمار بعدما غدرت بهما يدُ الإرهاب فكانت شهادتهما معمَّدة بالدم. ومقابل هذا الحزن تسير بنا المشاعرُ بالفخر والاعتزاز بأنّ تضحياتِهم لم تذهب هدراً بل كانت بمثابة الشعلة التي أنارت الطريق للقضاء على الإرهاب.

لقد جاء انتصارُ الجيش الحاسم على الإرهاب في معركة «فجر الجرود» بمثابة الرد القاطع على كل مَن تسوّل له نفسه الاعتداء على الوطن، والجيش لا يمكن أن يفرّط بدماء أبطاله ولا بسيادة بلده. نؤكّد الحفاظ على الأمانة والتمسّك بها والاعتزاز بما كان عندهما من خلال خصالهم الحميدة ونعتزّ بعوائلهما وكل ما لديهما».

رئيس اتحاد بلديات جرد القيطع عبد الإله زكريا الذي واكب الجثمانين من بيروت إلى عكار قال لـ«الجمهورية»: «هذا يوم مهيب ورهيب في حياة فنيدق وعكار وكل لبنان، امتزجت فيه أجواء الحزن الشديد وفخر الشهادة معاً.

إنهما شعوران متناقضان نعيشهما في هذه اللحظات، إذ وبعد ما يزيد عن السنوات الثلاث يتم استلام رفاة العسكريين ويعودان إلى أهلهما وبلدتهما بعد العناء الطويل وألم الإنتظار». وأضاف: «هذا يوم وطني بامتياز حيث اعتادت فنيدق وعكار تقديم التضحيات الجسام لوحدة الوطن واستقلاله».

القلمون

على وقع صوت الرصاص والمفرقعات النارية ودموع الأهالي وأنين الوالد والشقيق والزوجة، إستقبلت منطقة القلمون إبنها الشهيد إبراهيم مغيط، وتجمهر أهالي المنطقة والقرى المجاورة عند أوتوستراد القلمون الذي إحتضن طيلة السنوات الثلاث الماضية إعتصامات الأهالي، حيث حُمل نعش الشهيد على الأكف لإدخاله المنزل لإلقاء النظرة الأخيرة. وقد أطلقت البلدية إسم الشهيد على أحد شوارع البلدة تكريماً لدمائه التي روت أرض الوطن خلال مواجهة الإرهاب.

من جهته، اعتبر ممثل قائد الجيش العميد مروان الايوبي في كلمته خلال التشييع أنّ «الإرهابيين القتلة أخطأوا حين ظنّوا أنّ اعتمادَهم اساليب القتل الوحشيّة بحقّ جنودنا المخطوفين، يرهب الجيش واللبنانيين، لأنّ هذا الاسلوب الهمجي زادنا عزماً وإصراراً على محو هذه الظاهرة واقتلاع جذورها من اساسها».

بدوره، رأى مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار أنه «في هذا اليوم المبارك لا للعزاء وإنما للافتخار، للاعتزاز أنّ ابناء الوطن يتمسّكون بجميع ابنائهم بكل مقوّمات الوجود والكرامة والحرّية والسيادة والاستقلال، طالما أنّ لبنان يحتضن امثال شهدائنا، وأنّ لبنان يقوم على قيادة جيشنا، بلد لا يموت ولن يتراجع ولن ينقهر، لن يضعف، سنقاوم الارهاب، سنمحق الارهاب، سنستأصل الارهاب والعدوان على الدولة وعلى الوطن وعلى المواطنين».

عزقي

بدورها، شيعت بلدة عزقي (الضنية) العريف الشهيد يحيى خضر، في مأتم مهيب وحاشد، وبعد وصول الجثمان إلى مسجد البلدة وسط أجواء من الحزن، وعلى وقع أصوات الرصاص ونثر الأرز والورود على النعش وعزف النشيد الوطني، أقيمت صلاة الجنازة، ليبدأ بعدها حفل التأبين. حيث نوّه ممثل وزير الدفاع وقائد الجيش العميد عبدالله حوراني بـ«مزايا الشهيد الذي قدّم ورفاقه تضحياته في سبيل الذود عن الوطن وحماية سياجه الوطني، في وجه المخاطر الكثيرة التي تهدّده».