Site icon IMLebanon

دعم الجيش ليس بدولة الفراغ

تميز الواقع اللبناني في الأيام الأخيرة، بالمواجهة الرسمية الملتبسة للتهديد الإرهابي الأخير الذي حاول مصادرة منطقتي طرابلس والشمال وجعلهما قاعدة للإرهاب، تتواصل مع ما يخطط له على مستوى الشريط المنطلق من الجولان والمتواصل، بالقوة والنار، مع الشمال اللبناني عبر جرود عرسال، ودائما بقيادة «النصرة» التي أسقطت مراهنات بعض اللبنانيين على «اعتدالها» (تصوروا نظرية «الإرهاب المعتدل»).

من الواضح أن الوجه اللبناني للخطة الارهابية، يرتكز بشكل خاص على الاستفادة من حالتي الفراغ السياسي والاحتدام المذهبي، وبالتالي تنطلق من ضرورة الانتهاء من الحالة التوحيدية المتبقية والمتمثلة بالجيش اللبناني.

لذلك مهد الإرهابيون للخطة، عبر سلسلة عمليات تستهدف الجيش، أفراداً وحواجز، كي تضرب هيبته ويضطر للتراجع الى الثكنات وبما يكرس الفراغ في المدينة، فيأخذها المسلحون مع أهلها رهينة. وتكاملت مع هذه الخطة، الدعوات للانشقاق عن الجيش وبعضها صدر عن رجال دين منتمين لهذه الحالة الإرهابية.

وفي المقابل، يواجه الجيش اللبناني باللحم الحي، وبوعود تسليح ارقامها بالمليارات، وهي عبارة عن بعض «الفشك» الذي يستعرضه السفير الأميركي على أرض مطار بيروت. كما يواجه الجيش في ظل عجز الحكومة عن أخذ قرار واضح وصريح، مكتفية بتباكي أعضائها وخلط بعضهم حابل دعم الجيش، بنابل عقدهم التاريخية تجاه «حزب الله» ودوره في لبنان والمنطقة.

إن مبادرة الجيش اللبناني، والقوى الأمنية الأخرى، الى ملاقاة الخطة الإرهابية بخطة مواجهة واضحة أدت الى إيقاف هذه الخطة ومنعها ومحاصرتها. واستطاع الجيش استعادة المدينة ولا سيما باب التبانة وأجبر الإرهابيين إما على الاستسلام أو الهرب والاختباء وكذلك قطع الطريق على تمدد الإرهاب باتجاه المنية وعكار… وكذلك كشف الخطط الداعمة في مناطق أخرى.

وفي هذا المجال لا بد من التأكيد على انكشاف حقيقتين:

الأولى: أن أهالي الشمال، بتنوع انتماءاتهم، يرفضون الإرهاب ولا يشكلون بيئة حاضنة له، وهم على استعداد، إذا ما توفرت خطة وطنية شاملة لمواجهته، لأن يكونوا في طليعة هذه المواجهة.

الثانية: أن أهالي الشمال، الذين وُعدوا منذ عشرات السنين بخطط متوالية للتنمية، تخفف من معاناتهم، يعانون من ارتفاع نسبة من هم مهمشون ومعطلون عن العمل، والذين يشكلون بيئة عمل الإرهاب في كل مكان.

نعم، إنها جولة انتهت وكلفت الجيش عدداً من خيرة ضباطه وجنوده، دفعوا عن شعبنا كله ثمن مواجهة الإرهاب ومنع مخططاته.

إن مسؤولية الجميع هي تحويل هذه المرحلة الى حالة مستمرة وإلاّ تختصر نفسها بحالة موقتة ترهق الجيش وتبعثر قوته بما لا يجعله قادراً على مواجهة المراحل المقبلة الأخطر.

وفي هذا الإطار، لا يمكننا أبداً المراهنة على الاحتضان الرسمي. فالنظام ينهار، وحكومته معطلة ومجلسه الممدد له أصلاً لا هم له سوى تمديد جديد يمدد لحالة الفراغ والتعطيل والفساد وقواه السياسية الرسمية تشكل قاعدة لنمو الإرهاب، تحتضنه فترة ومن ثم تلفظه باطار تشكيلها جزءاً من اصطفاف اقليمي وليس بإطار مشروعها الوطني الخاص.

إن رهاننا هو على الحالة الشعبية، المحتضنة للجيش وللحالة الوطنية التي يمكن ان يجسدها. من عكار الى الناقورة، هنالك إمكانية لبناء هذه الحالة. التي لا يحصنها إلاّ مشروع وطني ينطلق من الالتفاف حول شعار مواجهة الإرهاب. ويمتد الى طموح إنقاذ الوطن بمبادرة تأسيسية تنطلق من صوغ دستور يضع أسساً للدولة الوطنية الديموقراطية.

إن حالة الفراغ الرسمية، لم تمنع الجيش من تحقيق انتصاره على الإرهاب، مستنداً الى احتضان شعبي واضح. لم تساعده المليارات الموعودة والسلاح الوهمي ولا الحكومة والمجلس اللذان يتلهيان بقضية تجديد حالتهما ومنع انهيار نظامهما.

إن التهديد بالفراع، أصبح فزاعة ورقية تخيف من يود التجديد لنظام الفراغ والانقسام والمحاصصة. ولا تخيف شعبنا الذي عانى طويلاً من ملء الفراغ، بحالة النهب والتبعية والفساد، وهو يتوق اليوم، لفراغ يدفع باتجاه البحث عن إطار جديد، عن حالة جديدة، عن دولة جديدة على اسس ديموقراطية وعادلة.

(&) الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني