IMLebanon

استهداف الجيش أبعد من طليقة البغدادي ومسار طويل للابتزاز في ملف المخطوفين

برزت تساؤلات عقب المكمن الذي استهدف الجيش اللبناني في جرود رأس بعلبك وادى الى استشهاد ستة جنود، عما اذا كان هذا المكمن هو نتيجة القبض على طليقة زعيم داعش ابو بكر البغدادي وابنته. وهو ما يقود الى تساؤلات من نوع آخر تتصل بمن يقف وراء تسريب خبر القبض على المسماة سجى الدليمي والهدف منه وما اذا كانت ثمة قوطبة على الجيش انطلاقا من اعتبارين اساسيين احدهما هو: ان عدم التكتم سياسيا على التطور المهم اطاح امكان ان تفاوض الدولة بعيدا من الاضواء في ملف العسكريين الرهائن على الاقل كما فعل “حزب الله” بالنسبة الى أسيره. فهذه التساؤلات برزت فور حصول المكمن انطلاقا من ان رد الفعل الفوري على القبض على طليقة البغدادي كان مكّن الدولة اللبنانية من امتلاك ورقة مهمة تسمح لها بتعزيز موقعها التفاوضي في موضوع العسكريين المخطوفين في الوقت الذي ظهر المكمن ضد الجيش، كأنما ثمة عملية استباقية ستمنع الدولة اللبنانية من استخدام هذه الورقة والذهاب الى تدفيع الجيش ولبنان ثمنا آخر في المقابل. اما الاعتبار الثاني فهو ان التطورات الاخيرة تزيد من ارباك الحكومة واظهار تخبطها في ظل ادارة لا تبدو متمكنة في هذا الملف في ظل تعدد الطباخين وكثرتهم على هذا الصعيد وفي ظل تداول اعلامي تكثر فيه المعطيات التي لا تتسم بالدقة فتساهم في مزيد من الارباك بدلا من المساعدة في الحلول. اذ تكشف مصادر رفيعة انه لم يكن من مصلحة الجيش اللبناني الكشف عن ذلك خصوصا انه مضى اكثر من اسابيع عدة في مراقبة ما يعتبر صيدا ثمينا يمكن استخدامه او توظيفه على صعد عدة، وان ثمة خشية ان يكون هذا الكشف اضاف تعقيدات على ملف العسكريين المخطوفين اكثر من السابق.

إلا ان مصادر معنية وان كانت تحبذ لو ان الملف بقي بعيدا من الاضواء فانها لا تدرج عملية اطلاق النار الاخيرة على دورية للجيش في اطار رد الفعل المباشر على ما حصل في الايام الماضية، بل ان تقويمها لما حصل انما يصب وفق المعلومات المتوافرة لديها في اطار الاعداد المسبق والمدروس للمسلحين للهجوم على الجيش وتحيّن الفرص المناسبة لذلك انطلاقا من اعتبار اساسي وهو ان عملية مماثلة ليست بنت ساعتها بمقدار ما يمكن ادراجها في اطار التحضير المسبق والدقيق الذي قد يحتاج الى شهر او اكثر. لذلك فان هذا الهجوم لا يمكن اعتباره مفاجئاً الى حد كبير استنادا الى واقع من عاملين اساسيين، احدهما ان الجيش اللبناني يندفع او يتوغل اكثر فاكثر في اتجاه الامساك بمفاتيح الوضع في الجرود وعلى الحدود وفي الداخل، مما يعرضه لهجمات محتملة من النوع الذي حصل قبل يومين، وانه لا يتوقع للاعتداءات ان تتراجع بل على العكس وفقا لتوقعات او مسار المد والجزر الميدانيين في سوريا وعلى الحدود مع لبنان. ولذلك سلطت الاضواء اخيرا بقوة على منطقة العرقوب بناء على معطيات استمرار سيطرة قوات النظام السوري على بعض المناطق في القنيطرة واحتمالات سيطرة المسلحين السوريين من معارضيه على هذه المنطقة كليا. والعامل الآخر ان الاعتداءات على الجيش وعلى لبنان متوقعة ما دامت الحرب الاهلية السورية تمددت الى الداخل اللبناني واصبحت تهدده، مما يعني ان استمرار هذه الحرب سيبقى يحمل في طياتها استمرار المخاطر على لبنان خصوصا ان هناك افرقاء كثيرين بمصالح متضاربة يمكن ان يستفيدوا من ذلك. وهذه الحرب مستمرة حتى الآن من دون أفق لأي حل في المدى المنظور على رغم كل ما يتردد عن اقتراحات تقول المصادر انها لا تعدو كونها محاولة تعبئة الفراغ في الحركة الدولية على هذا الموضوع، ولا تتضمن اي مؤشر الى اي أمر جدي على الاتجاه الى اي حلحلة بما في ذلك ما تم تداوله من اقتراحات جزئية للموفد الدولي الى سوريا ستيفان دو ميستورا، يضاف الى هذين العاملين عامل ثالث يتمثل في واقع ان الضربات التي وجهها التحالف الدولي ضد تنظيم داعش ساهمت في تحجيم توسعه او تمدده او بالاحرى قيّدت حركته، ما يخشى معه من احتمال محاولاته السعي الى مواقع اخرى.

وبالنسبة الى هذه النقطة الاخيرة لا تخفي المصادر المعنية مخاوفها من ان يطول امد ابتزاز تنظيم داعش للدولة اللبنانية في موضوع العسكريين المخطوفين استنادا الى ان موضوع العسكريين المخطوفين اصبح بمثابة ورقة تمكّن التنظيم من الحصول على مكاسب عدة وهو ربما يفقدها، في حال اعادة العسكريين الى الدولة، في حين ان ابقائه على احتجازهم يسمح له باستثمار او توظيف هذه الورقة الثمينة طويلا، ومن هنا استبعاد سهولة تخليه عن هذه الورقة في المدى المنظور على رغم صعوبة الامر بالنسبة الى لبنان عموما وبالنسبة الى اهالي العسكريين خصوصا. وهو أمر يدركه المسؤولون اللبنانيون في قرارة انفسهم الا انهم لن يرغبوا في اي لحظة في الاستسلام لهذا الاقتناع والكف عن توظيف كل الفرص والاوراق المتاحة من اجل اعادة العسكريين المخطوفين واقفال هذا الملف المحرج والمربك للحكومة اللبنانية. اضف الى ذلك ان التنظيم يستفيد من الانعكاسات السياسية لأزمة العسكريين المخطوفين، بحيث يكفي التخبط الذي يشهده الوضع السياسي اللبناني على هذا الصعيد على المستوى الحكومي في شكل خاص من اجل توظيف هذا المعطى في مصلحته.